شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : ١٠٦]. والقول (١) في فعل الرؤية وفي تعدية حرف (إلى) نظير القول فيه في الوجه الأول.
الوجه الثالث : أن تجعل الاستفهام إنكاريا ، إنكارا لعدم علم المخاطب بمفعول فعل الرؤية والرؤية علمية ، والقول في حرف (إلى) نظير القول فيه على الوجه الأول ، أو أن تكون الرؤية بصرية ضمن الفعل معنى تنظر على أن أصله أن يخاطب به من غفل عن النظر إلى شيء مبصر ويكون الاستفهام إنكاريا : حقيقة أو تنزيلا ، ثم نقل المركب إلى استعماله في غير الأمور المبصرة فصار كالمثل ، وقريب منه قول الأعشى :
ترى الجود يجري ظاهرا فوق وجهه
واستفادة التحريض ، على الوجوه الثلاثة إنما هي من طريق الكناية بلازم معنى الاستفهام لأن شأن الأمر المتعجب منه أو المقرر به أو المنكور علمه ، أن يكون شأنه أن تتوافر الدواعي على علمه ، وذلك مما يحرض على علمه.
واعلم أن هذا التركيب جرى مجرى المثل في ملازمته لهذا الأسلوب ، سوى أنهم غيروه باختلاف أدوات الخطاب التي يشتمل عليها من تذكير وضده ، وإفراد وضده ، نحو ألم ترى في خطاب المرأة وأ لم تريا وأ لم تروا وأ لم ترين ، في التثنية والجمع هذا إذا خوطب بهذا المركب في أمر ليس من شأنه أن يكون مبصرا للمخاطب أو مطلقا.
وقد اختلف في المراد من هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم ، والأظهر أنهم قوم خرجوا خائفين من أعدائهم فتركوا ديارهم جبنا ، وقرينة ذلك عندي قوله تعالى : (وَهُمْ أُلُوفٌ) فإنه جملة حال وهي محل التعجيب ، وإنما تكون كثرة العدد محلا للتعجيب إذا كان المقصود الخوف من العدو ، فإن شأن القوم الكثيرين ألا يتركوا ديارهم خوفا وهلعا والعرب تقول للجيش إذا بلغ الألوف لا يغلب من قلة. فقيل هم من نبي إسرائيل خالفوا على نبي لهم في دعوته إياهم للجهاد ، ففارقوا وطنهم فرارا من الجهاد ، وهذا الأظهر ، فتكون القصة تمثيلا لحال أهل الجبن في القتال ، بحال الذين خرجوا من ديارهم ، بجامع الجبن وكانت الحالة الشبه بها أظهر في صفة الجبن وأفظع ، مثل تمثيل
__________________
(١) إنما كثر الاستفهام التقريري في الأفعال المنفية لقصد تحقيق صدق المقر بعد إقراره لأن مقرره أورد له الفعل الذي يطلب منه الإقرار به مورد المنفي كأنه يقول أفسح لك المجال للإنكار إن شئت أن تقول لم أفعل فإذا أقر بالفعل بعد ذلك لم يبق له عذر بادعاء أنه مكره فيما أقر به.