حال المتردد في شيء بحال من يقدم رجلا ويؤخر أخرى ، فلا يقال إن ذلك يرجع إلى تشبيه الشيء بمثله ، وهذا أرجح الوجوه لأن أكثر أمثال القرآن أن تكون بأحوال الأمم الشهيرة وبخاصة بني إسرائيل.
وقيل هم من قوم من بني إسرائيل من أهل داوردان قرب واسط (١) وقع طاعون ببلدهم فخرجوا إلى واد أفيح فرماهم الله بداء موت ثمانية أيام ، حتى انتفخوا ونتنت أجسامهم ثم أحياها. وقيل هم من أهل أذرعات ، بجهات الشام. واتفقت الروايات كلها على أن الله أحياهم بدعوة النبي حزقيال بن بوزي (٢) فتكون القصة استعارة شبه الذين يجبنون عن القتال بالذين يجبنون من الطاعون ، بجامع خوف الموت ، والمشبهون يحتمل أنهم قوم من المسلمين خامرهم الجبن لما دعوا إلى الجهاد في بعض الغزوات ، ويحتمل أنهم فريق مفروض وقوعه قبل أن يقع ، لقطع الخواطر التي قد تخطر في قلوبهم.
وفي «تفسير ابن كثير» عن ابن جريج عن عطاء أن هذا مثل لا قصة واقعة ، وهذا بعيد يبعده التعبير عنهم بالموصول وقوله : (فَقالَ لَهُمُ اللهُ). وانتصب (حَذَرَ الْمَوْتِ) على المفعول لأجله ، وعامله (خَرَجُوا).
والأظهر أنهم قوم فروا من عدوهم ، مع كثرتهم ، وأخلوا له الديار ، فوقعت لهم في طريقهم مصائب أشرفوا بها على الهلاك ، ثم نجوا ، أو أوبئة وأمراض ، كانت أعراضها تشبه أعراض الموت ، مثل داء السكت ثم برءوا منها فهم في حالهم تلك مثل قول الراجز :
وخارج أخرجه حب الطمع |
|
فرّ من الموت وفي الموت وقع |
ويؤيد أنها إشارة إلى حادثة وليست مثلا قوله : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) الآية ويؤيد أن المتحدث عنهم ليسوا من بني إسرائيل قوله تعالى بعد هذه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ
__________________
(١) داوردان بفتح الدال بعدها ألف ثم واو مفتوحة ثم راء ساكنة كذا ضبطها ياقوت وهي شرقي واسط من جزيرة العراق قرب دجلة.
(٢) حزقيال بن بوزي هو ثالث أنبياء بني إسرائيل كان معاصرا لأرمياء ودانيال من القرنين السابع والسادس قبل المسيح وكان من جملة الذين أسرهم الأشوريون مع الملك يوياقيم ملك إسرائيل وهو يومئذ صغير فتنبأ في جهات الخابور في أرض الكلدانيين حيث القرى التي كانت على نهر الخابور شرقي دجلة ورأى مرائي أفردت بسفر من أسفار كتب اليهود وفيها إنذارات بما يحل ببني إسرائيل من المصائب وتوفي في الأسر.