بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) [البقرة : ٢٤٦] والآية تشير إلى معنى قوله تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [النساء : ٧٨] ـ وقوله ـ (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) [آل عمران : ١٥٤].
فأما الذين قالوا إنهم قوم من بني إسرائيل أحياهم الله بدعوة حزقيال ، والذين قالوا إنما هذا مثل لا قصة واقعة ، فالظاهر أنهم أرادوا الرؤيا التي ذكرت في كتاب حزقيال في الإصحاح ٣٧ منه إذ قال : «أخرجني روح الرب وأنزلني في وسط بقعة ملآنة عظاما ومرّ بي من حولها وإذا هي كثيرة ويابسة فقال لي يا ابن آدم أتحيا هذه العظام؟ فقلت يا سيدي أنت تعلم ، فقال لي تنبأ على هذه العظام وقل لها أيتها العظام اليابسة اسمعي كلمة الرب ، فتقاربت العظام ، وإذا بالعصب واللحم كساها وبسط الجلد عليها من فوق وليس فيها روح فقال لي تنبأ للروح وقل قال الرب هلم يا روح من الرياح الأربع وهبّ على هؤلاء القتلى فتنبأت كما أمرني فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جدا جدا» وهذا مثل ضربه النبي لاستماتة قومه ، واستسلامهم لأعدائهم ، لأنه قال بعده «هذه العظام وهي كل بيوت إسرائيل هم يقولون يبست عظامنا وهلك رجاؤنا قد انقطعنا فتنبأ وقل لهم قال السيد الرب ها أنا ذا أفتح قبوركم وأصعدكم منها يا شعبي وآتي بكم إلى أرض إسرائيل وأجعل روحي فيكم فتحيون» فلعل هذا المثل مع الموضع الذي كانت فيه مرائي هذا النبي ، وهو الخابور ، وهو قرب واسط ، هو الذي حدا بعض أهل القصص إلى دعوى أن هؤلاء القوم من أهل داوردان : إذ لعل داوردان كانت بجهات الخابور الذي رأى عنده النبي حزقيال ما رأى.
وقوله تعالى : (فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) القول فيه إما مجاز في التكوين والموت حقيقة أي جعل فيهم حالة الموت ، وهي وقوف القلب وذهاب الإدراك والإحساس ، استعيرت حالة تلقي المكوّن لأثر الإرادة بتلقي المأمور للأمر ، فأطلق على الحالة المشبهة المركب الدال على الحالة المشبّه بها على طريقة التمثيل ، ثم أحياهم بزوال ذلك العارض فعلموا أنهم أصيبوا بما لو دام لكان موتا مستمرا ، وقد يكون هذا من الأدواء النادرة المشبهة داء السكت وإما أن يكون القول مجازا عن الإنذار بالموت ، والموت حقيقة ، أي أراهم الله مهالك شموا منها رائحة الموت ، ثم فرج الله عنهم فأحياهم. وإما أن يكون كلاما حقيقيا بوحي الله ، لبعض الأنبياء ، والموت موت مجازي ، وهو أمر للتحقير شتما لهم ، ورماهم بالذل والصغار ، ثم أحياهم ، وثبت فيهم روح الشجاعة.