جملة : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة : ٢٤٤] فكانت ذات ثلاثة أغراض.
والقرض إسلاف المال ونحوه بنية إرجاع مثله ، ويطلق مجازا على البذل لأجل الجزاء ، فيشمل بهذا المعنى بذل النفس والجسم رجاء الثواب ، ففعل (يقرض) مستعمل في حقيقته ومجازه.
والاستفهام في قوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) مستعمل في التحضيض والتهييج على الاتصاف بالخير كأنّ المستفهم لا يدري من هو أهل هذا الخير والجدير به ، قال طرفة :
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني |
|
عنيت فلم أكسل ولم أتبلّد |
و (ذا) بعد أسماء الاستفهام قد يكون مستعملا في معناه كما تقول وقد رأيت شخصا لا تعرفه : (من ذا) فإذا لم يكن في مقام الكلام شيء يصلح لأن يشار إليه بالاستفهام كان استعمال (ذا) بعد اسم الاستفهام للإشارة المجازية بأن يتصوّر المتكلم في ذهنه شخصا موهوما مجهولا صدر منه فعل فهو يسأل عن تعيينه ، وإنما يكون ذلك للاهتمام بالفعل الواقع وتطلّب معرفة فاعله ولكون هذا الاستعمال يلازم ذكر فعل بعد اسم الإشارة ، قال النّحاة كلهم بصريّهم وكوفيّهم : بأن (ذا) مع الاستفهام تتحوّل إلى اسم موصول مبهم غير معهود ، فعدّوه اسم موصول ، وبوّب سيبويه في «كتابه» فقال : «باب إجرائهم ذا وحده بمنزلة الذي وليس يكون كالذي إلا مع (ما) و (من) في الاستفهام فيكون (ذا) بمنزلة الذي ويكون ما ـ أي أو من ـ حرف الاستفهام وإجراؤهم إياه مع ما ـ أي أو من ـ بمنزلة اسم واحد» ومثّله بقوله تعالى : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) [النحل : ٣٠] وبقية أسماء الإشارة مثل اسم (ذا) عند الكوفيين ، وأما البصريون فقصروا هذا الاستعمال على (ذا) وليس مرادهم أن ذا مع الاستفهام يصير اسم موصول فإنه يكثر في الكلام أن يقع بعده اسم موصول ، كما في هذه الآية ، ولا معنى لوقوع اسمى موصول صلتهما واحدة ، ولكنهم أرادوا أنه يفيد مفاد اسم الموصول ، فيكون ما بعده من فعل أو وصف في معنى صلة الموصول ، وإنما دوّنوا ذلك لأنهم تناسوا ما في استعمال ذا في الاستفهام من المجاز ، فكان تدوينها قليل الجدوى.
والوجه أن (ذا) في الاستفهام لا يخرج عن كونه للإشارة وإنما هي إشارة مجازية ، والفعل الذي يجيء بعده يكون في موضع الحال ، فوزان قوله تعالى : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) [النحل : ٢٤] وزان قول يزيد بن ربيعة بن مفرغ يخاطب بغلته :