بعث البعير أي إنهاضه للمشي.
وقوله : (هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) الآية ، استفهام تقريري وتحذير ، فقوله : (أَلَّا تُقاتِلُوا) مستفهم عنه بهل وخبر لعسى متوقع ، ودليل على جواب الشرط (إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) وهذا من أبدع الإيجاز فقد حكى جملا كثيرة وقعت في كلام بينهم ، وذلك أنه قررهم على إضمارهم نية عدم القتال اختبارا وسبرا لمقدار عزمهم عليه ، ولذلك جاء في الاستفهام بالنفي فقال ما يؤدي معنى «هل لا تقاتلون» ولم يقل : هل تقاتلون ؛ لأن المستفهم عنه هو الطرف الراجح عند المستفهم ، وإن كان الطرف الآخر مقدرا ، وإذا خرج الاستفهام إلى معانيه المجازية كانت حاجة المتكلم إلى اختيار الطرف الراجح متأكدة. وتوقع منهم عدم القتال وحذرهم من عدم القتال إن فرض عليهم ، فجملة : (أَلَّا تُقاتِلُوا) يتنازع معناها كل من هل وعسى وإن ، وأعطيت لعسى ، فلذلك قرنت بإن ، وهي دليل للبقية فيقدر لكل عامل ما يقتضيه. والمقصود من هذا الكلام التحريض لأن ذا الهمة يأنف من نسبته إلى التقصير ، فإذا سجل ذلك عليه قبل وجود دواعيه كان على حذر من وقوعه في المستقبل ، كما يقول من يوصي غيره : افعل كذا وكذا وما أظنك تفعل.
وقرأ نافع وحده عسيتم بكسر السين على غير قياس ، وقرأه الجمهور بفتح السين وهما لغتان في عسى إذا اتصل بها ضمير المتكلم أو المخاطب ، وكأنهم قصدوا من كسر السين التخفيف بإماتة سكون الياء.
وقوله : (قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ) جاءت واو العطف في حكاية قولهم ؛ إذ كان في كلامهم ما يفيد إرادة أن يكون جوابهم عن كلامه معطوفا على قولهم : (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) ما يؤدّى مثله بواو العطف فأرادوا تأكيد رغبتهم ، في تعيين ملك يدبر أمور القتال ، بأنهم ينكرون كل خاطر يخطر في نفوسهم من التثبيط عن القتال ، فجعلوا كلام نبيئهم بمنزلة كلام معترض في أثناء كلامهم الذي كملوه ، فما يحصل به جوابهم عن شك نبيهم في ثباتهم ، فكان نظم كلامهم على طريقة قوله تعالى حكاية عن الرسل : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران : ١٢٢] ، (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) [إبراهيم : ١٢].
و (ما) اسم استفهام بمعنى أي شيء واللام للاختصاص والاستفهام إنكاري وتعجبي من قول نبيهم : (هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا) لأن شأن المتعجب منه أن يسأل عن سببه. واسم الاستفهام في موضع الابتداء ، و (لَنا) خبره ، ومعناه ما حصل لنا