أو ما استقرّ لنا ، فاللام في قوله : (لَنا) لام الاختصاص و «أن» حرف مصدر واستقبال ، و (نُقاتِلْ) منصوب بأن ، ولما كان حرف المصدر يقتضي أن يكون الفعل بعده في تأويل المصدر ، فالمصدر المنسبك من أن وفعلها إما أن يجعل مجرورا بحرف جر مقدر قبل أن مناسب لتعلق (لا نقاتل) بالخبر ما لنا في ألا نقاتل أي انتفاء قتالنا أو ما لنا لألا نقاتل أي لأجل انتفاء قتالنا ، فيكون معنى الكلام إنكارهم أن يثبت لهم سبب يحملهم على تركهم القتال ، أو سبب لأجل تركهم القتال ، أي لا يكون لهم ذلك. وإما أن يجعل المصدر المنسبك بدلا من ضمير (لَنا) : بدل اشتمال ، والتقدير : ما لنا لتركنا القتال.
ومثل هذا النظم يجيء بأشكال خمسة : مثل (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) [يوسف : ١١] (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) [يس : ٢٢] (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [الصافات : ١٥٤] فمالك والتلدد حول نجد (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) [النساء : ٨٨] ، والأكثر أن يكون ما بعد الاستفهام في موضع حال ، ولكن الإعراب يختلف ومآل المعنى متحد.
و «ما» مبتدأ و «لنا» خبره ، والمعنى : أي شيء كان لنا. وجملة «ألا نقاتل» حال وهي قيد للاستفهام الإنكاري ، أي لا يثبت لنا شيء في حالة تركنا القتال. وهذا كنظائره في قولك : ما لي لا أفعل أو ما لي أفعل ، فإن مصدرية مجرورة بحرف جر محذوف يقدر بفي أو لام الجر ، متعلق بما تعلق به (لَنا).
وجملة (وَقَدْ أُخْرِجْنا) حال معللة لوجه الإنكار ، أي إنهم في هذه الحال أبعد الناس عن ترك القتال ؛ لأن أسباب حب الحياة تضعف في حالة الضر والكدر بالإخراج من الديار والأبناء.
وعطف الأبناء على الديار لأن الإخراج يطلق على إبعاد الشيء من حيزه ، وعلى إبعاده من بين ما يصاحبه ، ولا حاجة إلى دعوى جعل الواو عاطفة عاملا محذوفا تقديره وأبعدنا عن أبنائنا.
وقوله : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا) إلخ. جملة معترضة ، وهي محل العبرة والموعظة لتحذير المسلمين من حال هؤلاء أن يتولوا عن القتال بعد أن أخرجهم المشركون من ديارهم وأبنائهم ، وبعد أن تمنوا قتال أعدائهم وفرضه الله عليهم والإشارة إلى ما حكاه الله عنهم بعد بقوله : (فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) [البقرة : ٢٤٩] إلخ.
وقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) تذييل ، لأن فعلهم هذا من الظلم ؛ لأنهم لما طلبوا