على اليهود الذين أنكروا رسالته ومعجزاته ، وللرد على النصارى الذين غلوا فزعموا ألوهيته ، ولأجل هذا ذكر معه اسم أمه ـ مهما ذكر ـ للتنبيه على أنّ ابن الإنسان لا يكون إلها ، وعلى أنّ مريم أمة الله تعالى لا صاحبة لأنّ العرب لا تذكر أسماء نسائها وإنّما تكنى ، فيقولون ربّة البيت ، والأهل ، ونحو ذلك ولا يذكرون أسماء النساء إلا في الغزل ، أو أسماء الإماء.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ).
اعتراض بين الفذلكة ـ المستفادة من جملة تلك الرسل إلى آخرها ـ وبين الجملة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ) [البقرة : ٢٥٤] ، فالواو اعتراضية : فإنّ ما جرى من الأمر بالقتال ومن الأمثال التي بيّنت خصال الشجاعة والجبن وآثارهما ، المقصود منه تشريعا وتمثيلا قتال أهل الإيمان لأهل الكفر لإعلاء كلمة الله ونصر الحق على الباطل وبث الهدى وإزهاق الضلال. بيّن الله بهذا الاعتراض حجة الذين يقاتلون في سبيل الله على الذين كفروا : بأن الكافرين هم الظالمون إذ اختلفوا على ما جاءتهم به الرسل ، ولو اتّبعوا الحق لسلموا وسالموا.
ثم يجوز أن يكون الضمير المضاف إليه في قوله : (مِنْ بَعْدِهِمْ) مرادا به جملة الرّسل أي ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعد أولئك الرسل من الأمم المختلفة في العقائد مثل اقتتال اليهود والنصارى في اليمن في قصة أصحاب الأخدود ، ومقاتلة الفلسطينيّين لبني إسرائيل انتصارا لأصنامهم ، ومقاتلة الحبشة لمشركي العرب انتصارا لبيعة القليس التي بناها الحبشة في اليمن ، والأمم الذين كانوا في زمن الإسلام وناووه وقاتلوا المسلمين أهله ، وهم المشركون الذين يزعمون أنّهم على ملة إبراهيم واليهود والنصارى ، ويكون المراد بالبيّنات دلائل صدق محمد صلىاللهعليهوسلم ، فتكون الآية بإنحاء على الذين عاندوا النبي وناووا المسلمين وقاتلوهم ، وتكون الآية على هذا ظاهرة التفرّع على قوله : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا) [البقرة : ٢٤٤] إلخ.
ويجوز أن يكون ضمير «من بعدهم» ضمير الرسل على إرادة التوزيع ، أي الذين من بعد كل رسول من الرسل ، فيكون مفيدا أنّ أمة كل رسول من الرسل اختلفوا واقتتلوا اختلافا واقتتالا نشأ من تكفير بعضهم بعضا كما وقع لبني إسرائيل في عصور كثيرة بلغت فيها طوائف منهم في الخروج من الدّين إلى حد عبادة الأوثان ، وكما وقع للنصارى في