تصاعد الأبخرة البدنية الناشئة عن الهضم والعمل العصبي ، فيشتدّ عند مغيب الشمس ومجيء الظلمة فيطلب الدماغ والجهاز العصبي الذي يدبّره الدماغ استراحة طبيعية فيغيب الحسّ شيئا فشيئا وتثقل حركة الأعضاء ، ثم يغيب الحسّ إلى أن تسترجع الأعصاب نشاطها فتكون اليقظة.
ونفي استيلاء السنة والنوم على الله تعالى تحقيق لكمال الحياة ودوام التدبير ، وإثبات لكمال العلم ؛ فإنّ السنة والنوم يشبهان الموت ، فحياة النائم في حالهما حياة ضعيفة ، وهما يعوقان عن التدبير وعن العلم بما يحصل في وقت استيلائهما على الإحساس.
ونفي السنة عن الله تعالى لا يغني عن نفي النوم عنه لأنّ من الأحياء من لا تعتريه السنة فإذا نام نام عميقا ، ومن الناس من تأخذه السنة في غير وقت النوم غلبة ، وقد تمادحت العرب بالقدرة على السهر ، قال أبو كبير :
فأتت به حوش الفؤاد مبطّنا |
|
سهدا إذا ما نام ليل الهوجل |
والمقصود أنّ الله لا يحجب علمه شيء حجبا ضعيفا ولا طويلا ولا غلبة ولا اكتسابا ، فلا حاجة إلى ما تطلّبه الفخر والبيضاوي من أن تقديم السنة على النوم مراعى فيه ترتيب الوجود ، وأنّ ذكر النوم من قبيل الاحتراس. وقد أخذ هذا المعنى بشّار وصاغه بما يناسب صناعة الشعر فقال :
وليل دجوجي تنام بناته |
|
وأبناؤه من طوله (١) وربائبه |
فإنّه أراد من بنات الليل وأبنائه الساهرات والساهرين بمواظبة ، وأراد بربائب الليل من هم أضعف منهم سهرا لليل لأنّ الربيب أضعف نسبة من الولد والبنت.
وجملة (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) تقرير لانفراده بالإلهية إذ جميع الموجودات مخلوقاته ، وتعليل لاتّصافه بالقيّوميّة لأنّ من كانت جميع الموجودات ملكا له فهو حقيق بأن يكون قيّومها وألّا يهملها ولذلك فصلت الجملة عن التي قبلها.
واللام للملك. والمراد بالسماوات والأرض استغراق أمكنة الموجودات ، فقد دلت الجملة على عموم الموجودات بالموصول وصلته ، وإذا ثبت ملكه للعموم ثبت أنّه لا يشذّ
__________________
(١) كتب في نسخة ديوان بشار «هوله» بهاء في أوله وطبع كذلك وبدا لي بعد ذلك أنه تحريف وأن الصواب «طوله» بطاء عوض الهاء لأنه المناسب لقوله : «تنام».