عن ملكه موجود فحصل معنى الحصر ، ولكنّه زاده تأكيدا بتقديم المسند ـ أي لا لغيره ـ لإفادة الردّ على أصناف المشركين ، من الصابئة عبدة الكواكب كالسريان واليونان ومن مشركي العرب لأن مجرّد حصول معنى الحصر بالعموم لا يكفي في الدلالة على إبطال العقائد الضّالة. فهذه الجملة أفادت تعليم التوحيد بعمومها ، وأفادت إبطال عقائد أهل الشرك بخصوصية القصر ، وهذا بلاغة معجزة.
وجملة (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) مقرّرة لمضمون جملة (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) لما أفاده لام الملك من شمول ملكه تعالى لجميع ما في السماوات وما في الأرض ، وما تضمنه تقديم المجرور من قصر ذلك الملك عليه تعالى قصر قلب ، فبطل وصف الإلهية عن غيره تعالى ، بالمطابقة. وبطل حق الإدلال عليه والشفاعة عنده ـ التي لا تردّ ـ بالالتزام ، لأنّ الإدلال من شأن المساوي والمقارب ، والشفاعة إدلال. وهذا إبطال لمعتقد معظم مشركي العرب لأنّهم لم يثبتوا لآلهتهم وطواغيتهم ألوهية تامة ، بل قالوا : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] وقالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، فأكّد هذا المدلول بالصريح ، ولذلك فصلت هذه الجملة عمّا قبلها.
و (ذَا) مزيدة للتأكيد إذ ليس ثمّ مشار إليه معيّن ، والعرب تزيد (ذا) لما تدل عليه الإشارة من وجود شخص معيّن يتعلق به حكم الاستفهام ، حتى إذا أظهر عدم وجوده كان ذلك أدلّ على أن ليس ثمّة متطلع ينصب نفسه لادّعاء هذا الحكم ، وتقدم القول في (من ذا) عند قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [البقرة : ٢٤٥]. والاستفهام في قوله :
(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) مستعمل في الإنكار والنفي بقرينة الاستثناء منه بقوله (إِلَّا بِإِذْنِهِ).
والشفاعة تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) [البقرة : ٥٤].
والمعنى أنّه لا يشفع عنده أحد بحق وإدلال لأنّ المخلوقات كلها ملكه ، ولكن يشفع عنده من أراد هو أن يظهر كرامته عنده فيأذنه بأن يشفع فيمن أراد هو العفو عنه ، كما يسند إلى الكبراء مناولة المكرمات إلى نبغاء التلامذة في مواكب الامتحان ، ولذلكجاء في حديث الشفاعة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأتيه الناس ليكلّم ربّه فيخفّف عنهم هول موقف