الحساب ، فيأتي حتى يسجد تحت العرش ويتكلم بكلمات يعلّمه الله تعالى إياها ، فيقال يا محمد ارفع رأسك ، سل تعطه ، واشفع تشفّع ، فسجوده استيذان في الكلام ، ولا يشفع حتى يقال اشفع ، وتعليمه الكلمات مقدّمة للإذن.
وجملة (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) تقرير وتكميل لما تضمنه مجموع جملتي (الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) ولما تضمنته جملة (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) ، فإنّ جملتي (الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) دلتا على عموم علمه بما حدث ووجد من الأكوان ولم تدلّا على علمه بما سيكون فأكد وكمل بقوله يعلم الآية ، وهي أيضا تعليل لجملة من ذا الذي يشفع عنده إلّا بإذنه إذ قد يتّجه سؤال لما ذا حرموا الشفاعة إلّا بعد الإذن فقيل لأنّهم لا يعلمون من يستحقّ الشفاعة وربّما غرّتهم الظواهر ، والله يعمل من يستحقّها فهو يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولأجل هذين المعنيين فصلت الجملة عما قبلها.
والمراد بما بين أيديهم وما خلفهم ما هو ملاحظ لهم من المعلومات وما خفي عنهم أو ذهلوا عنه منها ، أو ما هو واقع بعدهم وما وقع قبلهم. وأما علمه بما في زمانهم فأحرى. وقيل المستقبل هو ما بين الأيدي والماضي هو الخلف ، وقيل عكس ذلك ، وهما استعمالان مبنيان على اختلاف الاعتبار في تمثيل ما بين الأيدي والخلف ، لأنّ ما بين أيدي المرء هو أمامه ، فهو يستقبله ويشاهده ويسعى للوصول إليه ، وما خلفه هو ما وراء ظهره ، فهو قد تخلّف عنه وانقطع ولا يشاهده ، وقد تجاوزه ولا يتّصل به بعد وقيل أمور الدنيا وأمور الآخرة ، وهو فرع من الماضي والمستقبل ، وقيل المحسوسات والمعقولات. وأياما كان فاللفظ مجاز ، والمقصود عموم العلم بسائر الكائنات.
وضمير (أَيْدِيهِمْ) و (خَلْفَهُمْ) عائد إلى (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) بتغليب العقلاء من المخلوقات لأنّ المراد بما بين أيديهم وما خلفهم ما يشمل أحوال غير العقلاء ، أو هو عائد على خصوص العقلاء من عموم ما في السموات وما في الأرض فيكون المراد ما يختصّ بأحوال البشر ـ وهو البعض ، لضمير ولا يحيطون ـ لأنّ العلم من أحوال العقلاء.
وعطفت جملة (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) على جملة (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) لأنّها تكملة لمعناها كقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٢١٦].
ومعنى يحيطون يعلمون علما تاما ، وهو مجاز حقيقته أنّ الإحاطة بالشيء تقتضي