الاحتواء على جميع أطرافه بحيث لا يشذّ منه شيء من أوله ولا آخره ، فالمعنى لا يعلمون ـ علم اليقين ـ شيئا من معلوماته ، وأمّا ما يدّعونه فهو رجم بالغيب. فالعلم في قوله : (مِنْ عِلْمِهِ) بمعنى المعلوم ، كالخلق بمعنى المخلوق ، وإضافته إلى ضمير اسم الجلالة تخصيص له بالعلوم اللدنية التي استأثر الله بها ولم ينصب الله تعالى عليها دلائل عقلية أو عادية. ولذلك فقوله : (إِلَّا بِما شاءَ) تنبيه على أنّه سبحانه قد يطلع بعض أصفيائه على ما هو من خواصّ علمه كقوله : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) [الجن : ٢٦ ، ٢٧].
وقوله : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) تقرير لما تضمّنته الجمل كلّها من عظمة الله تعالى وكبريائه وعلمه وقدرته وبيان عظمة مخلوقاته المستلزمة عظمة شأنه ، أو لبيان سعة ملكه ـ كذلك ـ كما سنبيّنه ، وقد وقعت هذه الجمل مترتبة متفرّعة.
والكرسي شيء يجلس عليه متركب من أعواد أو غيرها موضوعة كالأعمدة متساوية ، عليها سطح من خشب أو غيره بمقدار ما يسع شخصا واحدا في جلوسه ، فإن زاد على مجلس واحد وكان مرتفعا فهو العرش. وليس المراد في الآية حقيقة الكرسي إذ لا يليق بالله تعالى لاقتضائه التحيّز ، فتعين أن يكون مرادا به غير حقيقته.
والجمهور قالوا : إنّ الكرسي مخلوق عظيم ، ويضاف إلى الله تعالى لعظمته ، فقيل هو العرش ، وهو قول الحسن. وهذا هو الظاهر لأنّ الكرسي لم يذكر في القرآن إلّا في هذه الآية وتكرّر ذكر العرش ، ولم يرد ذكرهما مقترنين ، فلو كان الكرسي غير العرش لذكر معه كما ذكرت السماوات مع العرش في قوله تعالى : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [المؤمنون : ٨٦] ، وقيل الكرسي غير العرش ، فقال ابن زيد هو دون العرش وروي في ذلك عن أبي ذر أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما الكرسي في العرش إلّا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض» وهو حديث لم يصح. وقال أبو موسى الأشعري والسدى والضحاك : الكرسي موضع القدمين من العرش ، أي لأنّ الجالس على عرش يكون مرتفعا عن الأرض فيوضع له كرسي لئلا تكون رجلاه في الفضاء إذا لم يتربّع ، وروي هذا عن ابن عباس. وقيل الكرسي مثل لعلم الله ، وروي عن ابن عباس لأنّ العالم يجلس على كرسي ليعلّم الناس. وقيل مثل لملك الله تعالى كما يقولون فلان صاحب كرسي العراق أي ملك العراق ، قال البيضاوي : «ولعلّه الفلك المسمّى عندهم بفلك البروج». قلت أثبت القرآن سبع سماوات ولم يبيّن مسمّاها في قوله (سورة نوح) : (أَلَمْ