قوله : «أخرجني روح الرب وأمّرني عليها». فقوله : (قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ) إشارة إلى قوله أتحيي هذه العظام فقلت يا سيدي أنت تعلم لأنّ كلامه هذا ينبئ باستبعاد إحيائها ، ويكون قوله تعالى : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) إلخ مما زاده القرآن من البيان على ما في كتب اليهود لأنّهم كتبوها بعد مرور أزمنة ، ويظن من هنا أنّه مات في حدود سنة ٥٦٠ قبل المسيح ، وكان تجديد أورشليم في حدود ٤٥٨ فتلك مائة سنة تقريبا ، ويكون قوله : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) تذكرة له بتلك النبوءة وهي تجديد مدينة إسرائيل.
وقوله : (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) الخاوية : الفارغة من السكان والبناء. والعروش جمع عرش وهو السقف. والظرف مستقر في موضع الحال ، والمعنى أنّها خاوية ساقطة على سقفها وذلك أشدّ الخراب لأنّ أول ما يسقط من البناء السقف ثم تسقط الجدران على تلك السقف. والقرية هي بيت المقدس رآها في نومه كذلك أو رآها حين خربها رسل بختنصر ، والظاهر الأول لأنّه كان ممن سبي مع (يهويا قيم) ملك إسرائيل وهو لم يقع التخريب في زمنه بل وقع في زمن (صدقيا) أخيه بعد إحدى عشرة سنة.
وقوله : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) استفهام إنكار واستبعاد ، وقوله : (فَأَماتَهُ اللهُ) التعقيب فيه بحسب المعقب فلا يلزم أن يكون أماته في وقت قوله : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ). وقد قيل : إنّه نام فأماته الله في نومه.
وقوله : (ثُمَّ بَعَثَهُ) أي أحياه وهي حياة خاصة ردّت بها روحه إلى جسده ؛ لأنّ جسده لم يبل كسائر الأنبياء ، وهذا بعث خارق للعادة وهو غير بعث الحشر.
وقوله : (لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) اعتقد ذلك بعلم أودعه الله فيه أو لأنّه تذكر أنّه نام في أول النهار ووجد الوقت الذي أفاق فيه آخر نهار.
وقوله : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ) تفريع على قوله : (لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ). والأمر بالنظر أمر للاعتبار أي فانظره في حال أنّه لم يتسنه ، والظاهر أنّ الطعام والشراب كانا معه حين أميت أو كانا موضوعين في قبره إذا كان من أمة أو في بلد يضعون الطعام للموتى المكرّمين كما يفعل المصريون القدماء ، أو كان معه طعام حين خرج فأماته الله في نومه كما قيل ذلك.
ومعنى (لَمْ يَتَسَنَّهْ) لم يتغيّر ، وأصله مشتق من السّنة لأنّ مر السنين يوجب التغيّر