والمغفرة هنا يراد بها التجاوز عن الإساءة أي تجاوز المتصدق عن الملحّ أو الجافي في سؤاله إلحاحه أو جفاءه مثل الذي يسأل فيقول : أعطني حقّ الله الذي عندك أو نحو ذلك ، ويراد بها أيضا تجاوز الله تعالى عن الذنوب بسبب تلك الصدقة إذا كان معها قول معروف ، وفي هذا تعريض بأنّ الأذى يوشك أن يبطل ثواب الصدقة.
وقوله : (وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) تذييل للتذكير بصفتين من صفات الله تعالى ليتخلّق بهما المؤمنون وهما : الغنى الراجع إليه الترفّع عن مقابلة العطية بما يبرد غليل شحّ نفس المعطي ، والحلم الراجع إليه العفو والصفح عن رعونة بعض العفاة.
والإبطال جعل الشيء باطلا أي زائلا غير نافع لما أريد منه. فمعنى بطلان العمل عدم ترتّب أثره الشرعي عليه سواء كان العمل واجبا أم كان متطوّعا به ، فإن كان العمل واجبا فبطلانه عدم إجزائه بحيث لا تبرأ ذمة المكلّف من تكليفه بذلك العمل وذلك إذا اختلّ ركن أو شرط من العمل. وإن كان العمل متطوّعا به رجع البطلان إلى عدم الثواب على العمل لمانع شرعي من اعتبار ثوابه وهو المراد هنا جمعا بين أدلة الشريعة.
وقوله : (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) الكاف ظرف مستقر هو حال من ضمير تبطلوا ، أي لا تكونوا في اتباع صدقاتكم بالمنّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس وهو كافر لا يؤمن بالله واليوم الآخر ، وإنّما يعطي ليراه الناس وذلك عطاء أهل الجاهلية.
فالموصول من قوله : (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ) مراد به جنس وليس مراد به جنس وليس مراد به معيّنا ولا واحدا ، والغرض من هذا التشبيه تفظيع المشبّه به وليس المراد المماثلة في الحكم الشرعي ، جمعا بين الأدلة الشرعية.
والرئاء ـ بهمزتين ـ فعال من رأى ، وهو أن يكثر من إظهار أعماله الحسنة للناس ، فصيغة الفعال فيه للمبالغة والكثرة ، وأولى الهمزتين أصلية والأخيرة مبدلة عن الياء بعد الألف الزائدة ، ويقال رياء ـ بياء بعد الراء ـ على إبدال الهمزة ياء بعد الكسرة.
والمعنى تشبيه بعض المتصدّقين المسلمين الذين يتصدّقون طلبا للثواب ويعقبون صدقاتهم بالمنّ والأذى ، بالمنفقين الكافرين الذين ينفقون أموالهم لا يطلبون من إنفاقها إلّا الرئاء والمدحة ـ إذ هم لا يتطلّبون أجر الآخرة ـ.
ووجه الشبه عدم الانتفاع ممّا أعطوا بأزيد من شفاء ما في صدورهم من حبّ التطاول على الضعفاء وشفاء خلق الأذى المتطبعين عليه دون نفع في الآخرة.