الترغيب في الصدقة وتكرّر ذلك في نزول القرآن فصار غرضا دينيا مشهورا ، وكان الاهتمام بإيضاحه والترغيب في أحواله والتنفير من نقائصه أجدر بالبيان. ونظير هذا قول علي في خطبته التي خطبها حين دخل سفيان الغامدي ـ أحد قواد أهل الشام ـ بلد الأنبار ـ وهي من البلاد المطيعة للخليفة علي ـ وقتلوا عاملها حسان بن حسان البكري : «أما بعد فإنّ من ترك الجهاد رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل ، وشمله البلاء ، وديّث بالصّغار ، وضرب على قلبه ، وسيم الخسف ، ومنع النّصف. ألا وإنّي قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فو الله ما غزي قوم في عقر دارهم إلّا ذلوا ، فتواكلتم. هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنباء» إلخ. وانظر كلمة «الجهاد» في هذه الخطبة فلعل أصلها القتال كما يدل عليه قوله بعده إلى قتال هؤلاء فحرفها قاصد أو غافل ولا إخالها تصدر عن علي رضياللهعنه.
والأمر يجوز أن يكون للوجوب فتكون الآية في الأمر بالزكاة ، أو للندب وهي في صدقة التطوّع ، أو هو للقدر المشترك في الطلب فتشمل الزكاة وصدقة التطوّع ، والأدلة الأخرى تبيّن حكم كل. والقيد بالطّيّبات يناسب تعميم النفقات.
والمراد بالطيّبات خيار الأموال ، فيطلق الطيّب على الأحسن في صنفه. والكسب ما يناله المرء بسعيه كالتجارة والإجارة والغنيمة والصيد. ويطلق الطيّب على المال المكتسب بوجه حلال لا يخالطه ظلم ولا غشّ ، وهو الطيّب عند الله كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «من تصدق بصدقة من كسب طيّب ـ ولا يقبل الله إلّا طيّبا ـ تلقّاها الرحمن بيمينه» الحديث ، وفي الحديث الآخر : «إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا». ولم يذكر الطيّبات مع قوله : (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) اكتفاء عنه بتقدم ذكره في قسيمه ، ويظهر أنّ ذلك لم يقيّد بالطيّبات لأنّ قوله : (أَخْرَجْنا لَكُمْ) أشعر بأنّه مما اكتسبه المرء بعمله بالحرث والغرس ونحو ذلك ، لأنّ الأموال الخبيثة تحصل غالبا من ظلم الناس أو التحيّل عليهم وغشّهم وذلك لا يتأتّى في الثمرات المستخرجة من الأرض غالبا.
والمراد بما أخرج من الأرض الزروع والثمار ، فمنه ما يخرج بنفسه ، ومنه ما يعالج بأسبابه كالسقي للشجر والزرع ، ثم يخرجه الله بما أوجد من الأسباب العادية. وبعض المفسرين عد المعادن داخلة في (مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ). وتجب على المعدن الزكاة عند مالك إذا بلغ مقدار النّصاب ، وفيه ربع العشر. وهو من الأموال المفروضة وليس بزكاة عند أبي حنيفة ، ولذلك قال فيه الخمس. وبعضهم عدّ الركاز داخلا فيما