مِنَ اللهِ شَيْئاً) [آل عمران : ١٠] أي من الغناء.
وكأنّ مراعاة هذين الاستعمالين في كلمة شيء هو الذي دعا الشيخ عبد القاهر في «دلائل الإعجاز» إلى الحكم بحسن وقع كلمة شيء في بيت ابن أبي ربيعة وبيت أبي حية النميري ، وبقلّتها وتضاؤلها في قول أبي الطيب :
لو الفلك الدوّار أبغضت سعيه |
|
لعوّقه شيء عن الدّوران |
لأنها في بيت أبي الطيب لا يتعلق بها معنى التقليل كما هو ظاهر ولا التنويع لقلة جدوى التنويع هنا إذ لا يجهل أحد أن معوّق الفلك لا بد أن يكون شيئا.
والمراد بالخوف والجوع وما عطف عليهما معانيها المتبادرة وهي ما أصاب المسلمين من القلة وتألب المشركين عليهم بعد الهجرة ، كما وقع في يوم الأحزاب إذ جاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وأما الجوع فكما أصابهم من قلة الأزواد في بعض الغزوات ، ونقص الأموال ما ينشأ عن قلة العناية بنخيلهم في خروجهم إلى الغزو ، ونقص الأنفس يكون بقلة الولادة لبعدهم عن نسائهم كما قال النابغة:
شعب العلافيات بين فروجهم |
|
والمحصنات عوازب الأطهار |
وكما قال الأعشى يمدح هوذة بن علي صاحب اليمامة بكثرة غزواته :
أفي كل عام أنت جاشم غزوة |
|
تشد لأقصاها عزيم عزائكا |
مورّثة مالا وفي المجد رفعة |
|
لما ضاع فيها من قروء نسائك |
وكذلك نقص الأنفس بالاستشهاد في سبيل الله ، وما يصيبهم في خلال ذلك وفيما بعده من مصائب ترجع إلى هاته الأمور.
والكلام على الأموال يأتي عند قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [البقرة : ١٨٨] في هذه السورة وعند قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ) [آل عمران : ١٠] في سورة آل عمران.
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (١٥٦) (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (١٥٧).
وجملة : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) معطوفة على (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) ، والخطاب للرسول عليه