لأنّ الحضور للكتابة بين المتداينين ليس من الإضرار إلّا في أحوال نادرة كبعد مكان المتداينين من مكان الكاتب. وعن الشعبي وابن جريج وابن زيد أنّه منسوخ بقوله تعالى ـ بعد هذا ـ (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) [البقرة : ٢٨٣] وسيأتي لنا إبطال ذلك.
وعلى هذا الخلاف يختلف في جواز الأجر على الكتابة بين المتداينين ، لأنّها إن كانت واجبة فلا أجر عليها ، وإلّا فالأجر جائز.
ويلحق بالتداين جميع المعاملات التي يطلب فيها التوثّق بالكتابة والإشهاد ، وسيأتي الكلام على حكم أداء الشهادة عند قوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ).
وقوله : (كَما عَلَّمَهُ اللهُ) أي كتابة تشابه الذي علّمه الله أن يكتبها ، والمراد بالمشابهة المطابقة لا المقاربة ، فهي مثل قوله : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) [البقرة : ١٣٧] ، فالكاف في موضع المفعول المطلق لأنّها صفة لمصدر محذوف. و (ما) موصولة.
ومعنى ما علّمه الله أنّه يكتب ما يعتقده ولا يجحف أو يوارب ، لأنّ الله ما علم إلّا الحق وهو المستقرّ في فطرة الإنسان ، وإنّما ينصرف الناس عنه بالهوى فيبدّلون ويغيّرون وليس ذلك التبديل بالذي علّمهم الله تعالى ، وهذا يشير إليه قوله النبي صلىاللهعليهوسلم : «واستفت نفسك وإن أفتاك الناس».
ويجوز أن تكون الكاف لمقابلة الشيء بمكافئه والعوض بمعوضه ، أي أن يكتب كتابة تكافئ تعليم الله إياه الكتابة ، بأن ينفع الناس بها شكرا على تيسير الله له أسباب علمها ، وإنّما يحصل هذا الشكر بأن يكتب ما فيه حفظ الحق ولا يقصر ولا يدلّس ، وينشأ عن هذا المعنى من التشبيه معنى التعليل كما في قوله تعالى : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) [القصص : ٧٧] وقوله : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) [البقرة : ١٩٨].
والكاف على هذا إما نائبة عن المفعول المطلق أو صفة لمفعول به محذوف على تأويل مصدر فعل أن يكتب بالمكتوب ، و (ما) على هذا الوجه مصدرية ، وعلى كلا الوجهين فهو متعلق بقوله : (أَنْ يَكْتُبَ) ، وجوّز صاحب «الكشاف» تعليقه بقوله فليكتب فهو وجه في تفسير الآية.
وقوله : (فَلْيَكْتُبْ) تفريع على قوله : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ) ، وهو تصريح بمقتضى النهي وتكرير للأمر في قوله : (فَاكْتُبُوهُ) ، فهو يفيد تأكيد الأمر وتأكيد النهي أيضا ، وإنّما