لأنّ غالب حالهم جهل الكتابة.
فعل الأمر به إلى الكاتب مبالغة في أمر المتعاقدين بالاستكتاب. والعرب تعمد إلى المقصود فتنزّله منزلة الوسيلة مبالغة في حصوله كقولهم في الأمر ليكن ولدك مهذّبا ، وفي النهي لا تنس ما أوصيتك ، ولا أعرفنّك تفعل كذا.
فمتعلّق فعل الطلب هو ظرف بينكم وليس هذا أمرا للكاتب ، وأما أمر الكاتب فهو قوله : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ).
وقوله : (بِالْعَدْلِ) أي بالحق ، وليس العدل هنا بمعنى العدالة التي يوصف بها الشاهد فيقال رجل عدل لأنّ وجود الباء يصرف عن ذلك ، ونظيره قوله الآتي : (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ).
ولذلك قصر المفسرون قوله : (فَاكْتُبُوهُ) على أن يكتبه كاتب غير المتداينين لأنّه الغالب ، ولتعقيبه بقوله : وليكتب بينكم كاتب بالعدل ، فإنّه كالبيان لكيفية فاكتبوه ، على أنّ كتابة المتعاقدين إن كانا يحسنانها تؤخذ بلحن الخطاب أو فحواه.
ولذلك كانت الآية حجة عند جمهور العلماء لصحة الاحتجاج بالخط ، فإنّ استكتاب الكاتب إنّما ينفع بقراءة خطه.
وقوله : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ) نهي لمن تطلب منه الكتابة بين المتداينين عن الامتناع منها إذا دعي إليها ، فهذا حكم آخر وليس تأكيدا لقوله : (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) لما علمت آنفا من كون ذلك حكما موجّها للمتداينين. وهذا النهي قد اختلف في مقتضاه فقيل نهي تحريم ، فالذي يدعي لأن يكتب بين المتداينين يحرم عليه الامتناع. وعليه فالإجابة للكتابة فرض عين ، وهو قول الربيع ومجاهد وعطاء والطبري ، وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه. وقيل : إنّما تجب الإجابة وجوبا عينيا إذا لم يكن في الموضع إلّا كاتب واحد ، فإن كان غيره فهو واجب على الكفاية وهو قول الحسن ، ومعناه أنّه موكول إلى ديانتهم لأنّهم إذا تمالئوا على الامتناع أثموا جميعا ، ولو قيل : إنّه واجب على الكفاية على من يعرف الكتابة من أهل مكان المتداينين ، وإنّه يتعيّن بتعيين طالب التوثق أحدهم لكان وجيها ، والأحق بطلب التوثّق هو المستقرض كما تقدم آنفا.
وقيل : إنّما يجب على الكاتب في حال فراغه ، قاله السّدي. وقيل : هو منسوخ بقوله : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) وهو قول الضحاك ، وروي عن عطاء ، وفي هذا نظر