لأنّ الرهان لا تكون إلّا مقبوضة ، وإمّا للاحتراز عن الرهن للتوثقة في الديون في الحضر فيؤخذ من الإذن في الرهن أنّه مباح فلذلك إذا سأله ربّ الدين أجيب إليه فدلّت الآية على أنّ الرهن توثقة في الدين.
والآية دالة على مشروعية الرهن في السفر بصريحها. وأمّا مشروعية الرهن في الحضر فلأنّ تعليقه هنا على حال السفر ليس تعليقا بمعنى التقييد بل هو تعليق بمعنى الفرض والتقدير ، إذا لم يوجد الشاهد في السفر ، فلا مفهوم للشرط لوروده مورد بيان حالة خاصة لا للاحتراز ، ولا تعتبر مفاهيم القيود إلّا إذا سيقت مساق الاحتراز ، ولذا لم يعتدّوا بها إذا خرجت مخرج الغالب. ولا مفهوم له في الانتقال عن الشهادة أيضا ؛ إذ قد علم من الآية أنّ الرهن معاملة لهم ، فلذلك أحيلوا عليها عند الضرورة على معنى الإرشاد والتنبيه.
وقد أخذ مجاهد ، والضحّاك ، وداود الظاهري ، بظاهر الآية من تقييد الرهن بحال السفر ، مع أنّ السنّة أثبتت وقوع الرهن من الرسول صلىاللهعليهوسلم ومن أصحابه في الحضر.
والآية دليل على أنّ القبض من متمّمات الرّهن شرعا ، ولم يختلف العلماء في ذلك ، وإنّما اختلفوا في الأحكام الناشئة عن ترك القبض ، فقال الشافعي : القبض شرط في صحة الرهن ، لظاهر الآية ، فلو لم يقارن عقدة الرهن قبض فسدت العقدة عنده ، وقال محمد بن الحسن ، صاحب أبي حنيفة : لا يجوز الرهن بدون قبض ، وتردّد المتأخّرون من الحنفية في مفاد هذه العبارة ؛ فقال جماعة : هو عنده شرط في الصحة كقول الشافعي ، وقال جماعة : هو شرط في اللزوم قريبا من قول مالك ، واتفق الجميع على أنّ للراهن أن يرجع بعد عقد الرهن إذا لم يقع الحوز ، وذهب مالك إلى أنّ القبض شرط في اللزوم ، لأنّ الرهن عقد يثبت بالصيغة كالبيع ، والقبض من لوازمه ، فلذلك يجبر الراهن على تحويز المرتهن إلّا أنّه إذا مات الراهن أو أفلس قبل التحويز كان المرتهن أسوة الغرماء ؛ إذ ليس له ما يؤثره على بقية الغرماء ، والآية تشهد لهذا لأنّ الله جعل القبض وصفا للرهن ، فعلم أنّ ماهية الرهن قد تحقّقت بدون القبض. وأهل تونس يكتفون في رهن الرباع والعقار برهن رسوم التملّك ، ويعدّون ذلك في رهن الدين حوزا. وفي الآية دليل واضح على بطلان الانتفاع ؛ لأنّ الله تعالى جعل الرهن عوضا عن الشهادة في التوثّق فلا وجه للانتفاع ، واشتراط الانتفاع بالرهن يخرجه عن كونه توثّقا إلى ماهية البيع.
(فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ).