بالعمل الذي فيه تكلّف. لكن لم يرد التعبير باكتسبت في جانب فعل الخير.
وفي هذه الآية مأخذ حسن لأبي الحسن الأشعري في تسميته استطاعة العبد كسبا واكتسابا ؛ فإنّ الله وصف نفسه بالقدرة. ولم يصف العباد بالقدرة ، ولا أسند إليهم فعل قدر وإنّما أسند إليهم الكسب ، وهو قول يجمع بين المتعارضات ويفي بتحقيق إضافة الأفعال إلى العباد ، مع الأدب في عدم إثبات صفة القدرة للعباد ، وقد قيل : إنّ أول من استعمل كلمة الكسب هو الحسين بن محمد النجار ، رأس الفرقة النجارية من الجبرية ، كان معاصرا للنظام في القرن الثالث ، ولكن اشتهر بها أبو الحسن الأشعري حتى قال الطلبة في وصف الأمر الخفي : «أدقّ من كسب الأشعريّ».
وتعريف الكسب ، عند الأشعري : هو حالة للعبد يقارنها خلق الله فعلا متعلّقا بها. وعرّفه الإمام الرازي بأنّه صفة تحصل بقدرة العبد لفعله الحاصل بقدرة الله. وللكسب تعاريف أخر.
وحاصل معنى الكسب ، وما دعا إلى إثباته : هو أنّه لما تقرر أنّ الله قادر على جميع الكائنات الخارجة عن اختيار العبد ، وجب أن يقرّر عموم قدرته على كلّ شيء لئلّا تكون قدرة الله غير متسلّطة على بعض الكائنات ، إعمالا للأدلة الدالة على أنّ الله على كلّ شيء قدير ، وأنّه خالق كلّ شيء ، وليس لعموم هذه الأدلة دليل يخصّصه ، فوجب إعمال هذا العموم. ثم إنّه لما لم يجز أن يدّعى كون العبد مجبورا على أفعاله ، للفرق الضروري بين الأفعال الاضطرارية ، كحركة المرتعش ، والأفعال الاختيارية ، كحركة الماشي والقاتل ، ورعيا لحقّية التكاليف الشرعية للعباد لئلّا يكون التكليف عبثا ، ولحقيّة الوعد والوعيد لئلّا يكون باطلا ، تعيّن أن تكون للعبد حالة تمكّنه من فعل ما يريد فعله ، وترك ما يريد تركه ، وهي ميله إلى الفعل أو الترك ، فهذه الحالة سمّاها الأشعري الاستطاعة ، وسمّاها كسبا. وقال : إنّها تتعلّق بالفعل فإذا تعلّقت به خلق الله الفعل الذي مال إليه على الصورة التي استحضرها ومال إليها.
وتقديم المجرورين في الآية : لقصد الاختصاص ، أي لا يلحق غيرها شيء ولا يلحقها شيء من فعل غيرها ، وكأنّ هذا إبطال لما كانوا عليه في الجاهلية : من اعتقاد شفاعة الآلهة لهم عند الله.
وتمسّك بهذه الآية من رأى أنّ الأعمال لا تقبل النيابة في الثواب والعقاب ، إلّا إذا كان للفاعل أثر في عمل غيره ؛ ففي الحديث : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من