ثلاث : صدقة جارية وعلم بثّه في صدور الرجال ، وولد صالح يدعو له» وفي الحديث : «ما من نفس تقتل ظلما إلّا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ذلك لأنّه أول من سنّ القتل» وفي الحديث : «من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سنّ سنة سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».
(رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
يجوز أن يكون هذا الدعاء محكيّا من قول المؤمنين : الذين قالوا : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) [البقرة : ٢٨٥] ، بأن اتّبعوا القبول والرضا ، فتوجّهوا إلى طلب الجزاء ومناجاة الله تعالى. واختيار حكاية هذا عنهم في آخر السورة تكملة للإيذان بانتهائها. ويجوز أن يكون تلقينا من جانب الله تعالى إياهم : بأن يقولوا هذا الدعاء ، مثل ما لقّنوا التحميد في سورة الفاتحة فيكون التقدير ، قولوا : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا) إلى آخر السورة ؛ إنّ الله بعد أن قرر لهم أنّه لا يكلّف نفسا إلّا وسعها ، لقّنهم مناجاة بدعوات هي من آثار انتفاء التكليف بما ليس في الوسع. والمراد من الدعاء به طلب الدوام على ذلك لئلا ينسخ ذلك من جراء غضب الله كما غضب على الذين قال فيهم : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء : ١٦٠].
والمؤاخذة مشتقّة من الأخذ بمعنى العقوبة ، كقوله : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ) [هود : ١٠٢] والمفاعلة فيه للمبالغة أي لا تأخذنا بالنسيان والخطأ.
والمراد ما يترتّب على النسيان والخطأ من فعل أو ترك لا يرضيان الله تعالى.
فهذه دعوة من المؤمنين دعوها قبل أن يعلموا أنّ الله رفع عنهم ذلك بقوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) وقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وفي رواية : «وضع» رواه ابن ماجه وتكلم العلماء في صحته ، وقد حسّنه النووي ، وأنكره أحمد ، ومعناه صحيح في غير ما يرجع إلى الخطاب الوضع. فالمعنى رفع الله عنهم المؤاخذة فبقيت المؤاخذة بالإتلاف والغرامات ولذلك جاء في هذه الدعوة «لا تؤاخذنا» أي لا تؤاخذنا بالعقاب على فعل : نسيان أو خطأ ، فلا يرد إشكال الدعاء بما علم حصوله ، حتى نحتاج إلى تأويل الآية بأنّ المراد بالنسيان والخطأ سببهما وهو التفريط والإغفال كما في «الكشاف».