الله فلأجل هذا اختلفت المذاهب في حكم السعي (١) فذهب مالك رحمهالله في أشهر الروايتين عنه إلى أنه فرض من أركان الحج وهو قول الشافعي وأحمد والجمهور ، ووجهه أنه من أفعال الحج وقد اهتم به النبي صلىاللهعليهوسلم وبادر إليه كما في حديث «الصحيحين» و «الموطأ» فلما تردد فعله بين السنية والفرضية قال مالك بأنه فرض قضاء لحق الاحتياط ولأنه فعل بسائر البدن من خصائص الحج ليس له مثيل مفروض فيقاس على الوقوف وطواف الإفاضة والإحرام ، بخلاف ركعتي الطواف فإنهما فعل ليس من خصائص الحج لأنه صلاة ، وبخلاف ترك لبس المخيط فإنه ترك ، وبخلاف رمي الجمار فإنه فعل بعضو وهو اليد. وقولي ليس له مثيل مفروض لإخراج طواف القوادم فإنه وإن كان فعلا بجميع البدن إلا أنه به مثيل مفروض وهو الإفاضة فأغنى عن جعله فرضا ، ولقوله في الحديث : «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي» (٢) ، والأمر ظاهر في الوجوب ، والأصل أن الفرض والواجب مترادفان عندنا في الحج ، فالواجب دون الفرض لكن الوجوب الذي هو مدلول الأمر مساو للفرض.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه واجب ينجبر بالنسك واحتج الحنفية لذلك بأنه لم يثبت بدليل قطعي في الدلالة فلا يكون فرضا بل واجبا لأن الآية قطعية المتن فقط والحديث ظني فيهما ، والجواب أن مجموع الظواهر من القول والفعل يدل على الفرضية وإلّا فالوقوف بعرفة لا دليل على فرضيته وكذلك الإحرام فمتى يثبت هذا النوع المسمى عندهم بالفرض؟ وذهب جماعة من السلف إلى أنه سنة.
وقوله : (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) تذييل لما أفادته الآية من الحث على السعي بين الصفا والمروة بمفاد قوله : (مِنْ شَعائِرِ اللهِ) ، والمقصد من هذا التذييل الإتيان بحكم كلي في أفعال الخيرات كلها من فرائض ونوافل أو نوافل فقط فليس المقصود من (خَيْراً) خصوص السعي لأن خيرا نكرة في سياق الشرط فهي عامة ولهذا عطفت الجملة بالواو دون الفاء لئلا يكون الخير قاصرا على الطواف بين الصفا والمروة
__________________
(١) انظر «فتح القدير» (٢ / ١٥٧ ، ١٥٨) ، «البدائع» (٢ / ١٣٣ ، ١٤٣) ، «رد المختار» (٣ / ٢٠٣) ، «شرح الرسالة» (١ / ٤٧١) ، «الشرح الكبير» (٢ / ٣٤) ، «شرح المنهاج» (٢ / ١٢٦ ، ١٢٧) ، «المجموع» (٨ / ٧١ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٥) ، «المغني» ٣ / ٣٨٨ ، ٣٨٩) ، «الفروع» (٣ / ٥١٧) «كشاف القناع» (٥ / ٢١).
(٢) أخرجه أحمد في «مسنده» (٦ / ٤٢١) ، ط الحلبي.