إلى بعض النحاة ، وله شواهد كثيرة في القرآن قال تعالى : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) [آل عمران : ١٥٢] على أن يكون (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ) هو الموعود به وقال : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) [غافر : ٧١] فيكون المجاز في فعل (تَبَرَّأَ) خاصة.
والتبرؤ تكلف البراءة وهي التباعد من الأمر الذي من شأن قربه أن يكون مضرا ولذلك يقال تبارءا إذا أبعد كل الآخر من تبعة محققة أو متوقعة.
و (الَّذِينَ اتُّبِعُوا) بالبناء إلى المجهول هم الذين ضللوا المشركين ونصبوا لهم الأنصاب مثل عمرو بن لحيّ ، فقد أشعر قوله : (اتُّبِعُوا) أنهم كانوا يدعون إلى متابعتهم ، وأيّد ذلك قوله بعده (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا) أي نجازيهم على إخلافهم.
ومعنى براءتهم منهم تنصلهم من مواعيد نفعهم في الآخرة الذي وعدوهم في الدنيا والشفاعة فيهم ، وصرفهم عن الالتحاق بهم حين هرعوا إليهم.
وجملة (وَرَأَوُا الْعَذابَ) حاليّة أي تبرءوا في حال رؤيتهم العذاب ، ومعنى رؤيتهم إياه أنهم رأوا أسبابه وعلموا أنه أعد لمن أضلّ الناس فجعلوا يتباعدون من أتباعهم لئلا يحق عليهم عذاب المضللين ، ويجوز أن تكون رؤية العذاب مجازا في إحساس التعذيب كالمجاز في قوله : (يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ) [الأنعام : ٤٩] فموقع الحال هنا حسن جدا وهي مغنية عن الاستئناف الذي يقتضيه المقام لأن السامع يتساءل عن موجب هذا التبرؤ فإنه غريب فيقال رأوا العذاب فلما أريد تصوير الحال وتهويل الاستفظاع عدل عن الاستئناف إلى الحال قضاء لحق التهويل واكتفاء بالحال عن الاستئناف لأن موقعهما متقارب ، ولا تكون معطوفة على جملة (تَبَرَّأَ) لأن معناها حينئذ يصير إعادة لمعنى جملة : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) فتصير مجرد تأكيد لها ويفوت ما ذكرناه من الخصوصيات.
وضمير (رَأَوُا) ضمير مبهم عائد إلى فريقي الذين اتّبعوا والذين اتّبعوا.
وجملة (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) معطوفة على جملة (تَبَرَّأَ) أي وإذ تقطعت بهم الأسباب ، والضمير المجرور عائد إلى كلا الفريقين.
والتقطع الانقطاع الشديد لأن أصله مطاوع قطّعه بالتشديد مضاعف قطع بالتخفيف.
والأسباب جمع سبب وهو الحبل الذي يمد ليرتقى عليه في النخلة أو السطح ، وقوله (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) تمثيلية شبهت هيئتهم عند خيبة أملهم حين لم يجدوا النعيم