الذي تعبوا لأجله مدة حياتهم وقد جاء إبانه في ظنهم فوجدوا عوضه العذاب ، بحال المرتقى إلى النخلة ليجتنى الثمر الذي كد لأجله طول السنة فتقطع به السبب عند ارتقائه فسقط هالكا ، فكذلك هؤلاء قد علم كلهم حينئذ أن لا نجاة لهم فحالهم كحال الساقط من علو لا ترجى له سلامة ، وهي تمثيلية بديعة لأنها الهيئة المشبهة تشتمل على سبعة أشياء كل واحد منها يصلح لأن يكون مشبّها بواحد من الأشياء التي تشتمل عليها الهيئة المشبه بها وهي : تشبيه المشرك في عبادته الأصنام واتباع دينها بالمرتقي بجامع السعي ، وتشبيه العبادة وقبول الآلهة منه بالحبل الموصل ، وتشبيه النعيم والثواب بالثمرة في أعلى النخلة لأنها لا يصل لها المرء إلا بعد طول وهو مدة العمر ، وتشبيه العمر بالنخلة في الطول ، وتشبيه الحرمان من الموصول للنعيم بتقطع الحبل ، وتشبيه الخيبة بالبعد عن الثمرة ، وتشبيه الوقوع في العذاب بالسقوط المهلك. وقلما تأتي في التمثيلية صلوحية أجزاء التشبيه المركب فيها لأن تكون تشبيهات مستقلة ، والوارد في ذلك يكون في أشياء قليلة كقول بشار الذي يعد مثالا في الحسن :
كأنّ مثار النّقع فوق رءوسنا |
|
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه |
فليس في البيت أكثر من تشبيهات ثلاثة.
فالباء في (بهم) للملابسة أي تقطعت الأسباب ملتبسة بهم أي فسقطوا ، وهذا المعنى هو محل التشبيه لأن الحبل لو تقطع غير ملابس للمرتقى عليه لما كان في ذلك ضر إذ يمسك بالنخلة ويتطلب سببا آخر ينزل فيه ، ولذلك لم يقل وتقطعت أسبابهم أو نحوه ، فمن قال إن الباء بمعنى عن أو للسببية أو التعدية فقد بعد عن البلاغة ، وبهذه الباء تقوّم معنى التمثيلية بالصاعد إلى النخلة بحبل وهذا المعنى فائت في قول امرئ القيس :
تقطّع أسباب اللّبانة والهوى |
|
عشيّة جاوزنا حماة وشيزرا |
وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) أظهر في مقام الإضمار لأن ضميري الغيبة اللذين قبله عائدان إلى مجموع الفريقين ، على أن في صلة (الَّذِينَ اتُّبِعُوا) تنبيها على إغاظة المتبوعين وإثارة حسرتهم وذلك عذاب نفساني يضاعف العذاب الجثماني وقد نبه عليه قوله : (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ).
و (لو) في قوله : (لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) مستعملة في التمني وهو استعمال كثير لحرف (لو) وأصلها الشرطية حذف شرطها وجوابها واستعيرت للتمني بعلاقة اللزوم لأن الشيء العسير المنال يكثر تمنيه ، وسدّ المصدر مسد الشرط والجواب ، وتقدير الكلام لو ثبتت لنا كرة