حياته ، فدعا ذلك بعض النّاس إلى سؤاله عن ذلك. روى البخاري أنّ أبا جحيفة سأل عليّا : هل عندكم شيء ما ليس في القرآن وما ليس عند النّاس ، فقال : «لا والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ما عندنا إلّا ما في القرآن إلّا فهما يعطى رجل في كتاب الله وما في الصحيفة ، قلت : وما في الصّحيفة ، قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر». وحديث مسروق عن عائشة الّذي سنذكره ينبئ بأنّ هذا الهاجس قد ظهر بين العامّة في زمانها. وقد يخصّ الرّسول بعض النّاس ببيان شيء من الأحكام ليس من القرآن المنزّل إليه لحاجة دعت إلى تخصيصه ، كما كتب إلى عليّ ببيان العقل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر ، لأنّه كان يومئذ قاضيا باليمن ، وكما كتب إلى عمرو بن حزم كتاب نصاب الزّكاة لأنّه كان بعثه لذلك ، فذلك لا ينافي الأمر بالتّبليغ لأنّ ذلك بيان لما أنزل وليس عين ما أنزل ، ولأنّه لم يقصد منه تخصيصه بعلمه ، بل قد يخبر به من تدعو الحاجة إلى علمه به ، ولأنّه لمّا أمر من سمع مقالته بأن يعيها ويؤيّديها كما سمعها ، وأمر أن يبلّغ الشّاهد الغائب ، حصل المقصود من التّبليغ ؛ فأمّا أن يدع شيئا من الوحي خاصّا بأحد وأن يكتمه المودع عنده عن النّاس فمعاذ الله من ذلك.
وقد يخصّ أحدا بعلم ليس ممّا يرجع إلى أمور التّشريع ، من سرّ يلقيه إلى بعض أصحابه ، كما أسرّ إلى فاطمة ـ رضياللهعنها ـ بأنّه يموت يومئذ وبأنّها أوّل أهله لحاقا به. وأسرّ إلى أبي بكر ـ رضياللهعنه ـ بأنّ الله أذن له في الهجرة. وأسرّ إلى حذيفة خبر فتنة الخارجين على عثمان ، كما حدّث حذيفة بذلك عمر بن الخطّاب. وما روي عن أبي هريرة أنّه قال : حفظت من رسول الله وعاءين ، أمّا أحدهما فبثثته ، وأمّا الآخر فلو بثثته لقطع منّي هذا البلعوم.
ومن أجل ذلك جزمنا بأن الكتاب الّذي همّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بكتابته للنّاس ، وهو في مرض وفاته ، ثمّ أعرض عنه ، لم يكن فيما يرجع إلى التشريع لأنّه لو كان كذلك لما أعرض عنه والله يقول له : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ). روى البخاري عن عائشة ـ رضياللهعنها ـ أنّها قالت لمسروق : «ثلاث من حدّثك بهن فقد كذب ، من حدّثك أنّ محمّدا كتم شيئا ممّا أنزل عليه فقد كذب ، والله يقول : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) الحديث.
وقوله : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) جاء الشّرط بإن الّتي شأنها في كلام العرب عدم اليقين بوقوع الشرط ، لأنّ عدم التّبليغ غير مظنون بمحمّد صلىاللهعليهوسلم وإنّما فرض هذا