وقد دلّت م على تراخي الفعلين المعطوفين بها عن الفعلين المعطوف عليهما وأنّ هنالك عميين وصممين في زمنين سابق ولا حق ، ومع ذلك كانت الضّمائر المتّصلة بالفعلين المعطوفين عين الضمائر المتّصلة بالفعلين المعطوف عليهما ، والّذي سوّغ ذلك أنّ المراد بيان تكرّر الأفعال في العصور وادّعاء أنّ الفاعل واحد ؛ لأنّ ذلك شأن الأخبار والصفات المثبتة للأمم والمسجّل بها عليهم توارث السجايا فيهم من حسن أو قبيح ، وقد علم أنّ الّذين عموا وصمّوا ثانية غير الّذين عموا وصمّوا أوّل مرّة ، ولكنّهم لمّا كانوا خلفا عن سلف ، وكانوا قد أورثوا أخلاقهم أبناءهم اعتبروا كالشيء الواحد ، كقولهم : بنو فلان لهم ترات مع بني فلان.
وقوله : (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) بدل من الضّمير في قوله : (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا) ، قصد منه تخصيص أهل الفضل والصّلاح منهم في كلّ عصر بأنّهم برآء ممّا كان عليه دهماؤهم صدعا بالحق وثناء على الفضل.
وإذ قد كان مرجع الضّميرين الأخيرين في قوله : (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا) هو عين مرجع الضميرين الأوّلين في قوله : (فَعَمُوا وَصَمُّوا) كان الإبدال من الضميرين الأخيرين المفيد تخصيصا من عمومهما ، مفيدا تخصيصا من عموم الضميرين الّذين قبلهما بحكم المساواة بين الضّمائر ، إذ قد اعتبرت ضمائر أمّة واحدة ، فإنّ مرجع تلك الضّمائر هو قوله (بَنِي إِسْرائِيلَ) [المائدة : ٧٠]. ومن الضّروري أنّه لا تخلوا أمّة ضالّة في كلّ جيل من وجود صالحين فيها ، فقد كان في المتأخّرين منهم أمثال عبد الله بن سلام ، وكان في المتقدّمين يوشع وكالب اللّذين قال الله في شأنها (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) [المائدة : ٢٣].
وقوله : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) تذييل. والبصير مبالغة في المبصر ، كالحكيم بمعنى المحكم ، وهو هنا بمعنى العليم بكلّ ما يقع في أفعالهم الّتي من شأنها أن يبصرها النّاس سواء ما أبصره النّاس منها أم ما لم يبصروه ، والمقصود من هذا الخبر لازم معناه ، وهو الإنذار والتّذكير بأنّ الله لا يخفى عليه شيء ، فهو وعيد لهم على ما ارتكبوه بعد أن تاب الله عليهم.
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وابن عامر ، وعاصم ، وأبو جعفر (أَلَّا تَكُونَ) ـ بفتح نون تكون على اعتبار (أن) حرف مصدر ناصب للفعل. وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، ويعقوب ، وخلف ـ بضم النّون ـ على اعتبار (أن) مخفّفة من (أنّ) أخت (إنّ) المكسورة الهمزة ، وأنّ