تأخّر عنها.
وجملة (وَلا تَعْتَدُوا) معترضة ، لمناسبة أنّ تحريم الطّيبات اعتداء على ما شرع الله ، فالواو اعتراضية. وبما في هذا النهي من العموم كانت الجملة تذييلا.
والاعتداء افتعال العدو ، أي الظلم. وذكره في مقابلة تحريم الطيّبات يدلّ على أنّ المراد النهي عن تجاوز حدّ الإذن المشروع ، كما قال (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها) [البقرة : ٢٢٩]. فلمّا نهى عن تحريم الحلال أردفه بالنهي عن استحلال المحرّمات وذلك بالاعتداء على حقوق النّاس ، وهو أشدّ الاعتداء ، أو على حقوق الله تعالى في أمره ونهيه دون حقّ الناس ، كتناول الخنزير أو الميتة. ويعمّ الاعتداء في سياق النهي جميع جنسه ممّا كانت عليه الجاهلية من العدوان ، وأعظمه الاعتداء على الضعفاء كالوأد ، وأكل مال اليتيم ، وعضل الأيامى ، وغير ذلك.
وجملة (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) تذييل للّتي قبلها للتحذير من كلّ اعتداء.
وقوله : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) تأكيد للنهي عن تحريم الطّيبات وهو معطوف على قوله : (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) أي أنّ الله وسّع عليكم بالحلال فلا تعتدوه إلى الحرام فتكفروا النعمة ولا تتركوه بالتحريم فتعرضوا عن النعمة.
واقتصر على الأكل لأنّ معظم ما حرّمه الناس على أنفسهم هو المآكل. وكأنّ الله يعرّض بهم بأنّ الاعتناء بالمهمّات خير من التهمّم بالأكل ، كما قال (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) [المائدة : ٩٣] الآية. وبذلك أبطل ما في الشرائع السابقة من شدّة العناية بأحكام المأكولات. وفي ذلك تنبيه لهذه الأمّة.
وقوله (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) جاء بالموصول للإيماء إلى علّة الأمر بالتقوى ، أي لأنّ شأن الإيمان أن يقتضي التقوى ، فلمّا آمنتم بالله واهتديتم إلى الإيمان فكمّلوه بالتقوى. روي أنّ الحسن البصري لقي الفرزدق في جنازة ، وكانا عند القبر ، فقال الحسن للفرزدق : ما أعددت لهذا. يعني القبر. قال الفرزدق : شهادة أن لا إله إلّا الله كذا كذا سنة. فقال الحسن : هذا العمود ، فأين الأطناب.
(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ