استجابة وليس بوعد.
وقوله : (فَمَنْ يَكْفُرْ) تفريع عن إجابة رغبتهم ، وتحذير لهم من الوقوع في الكفر بعد الإيمان إعلاما بأهمّية الإيمان عند الله تعالى ، فجعل جزاء إجابته إيّاهم أن لا يعودوا إلى الكفر فإن عادوا عذّبوا عذابا أشدّ من عذاب سائر الكفّار لأنّهم تعاضد لديهم دليل العقل والحسّ فلم يبق لهم عذر.
والضمير المنصوب في قوله (لا أُعَذِّبُهُ) ضمير المصدر ، فهو في موضع المفعول المطلق وليس مفعولا به ، أي لا أعذّب أحدا من العالمين ذلك العذاب ، أي مثل ذلك العذاب.
وقد وقفت قصّة سؤال المائدة عند هذا المقدار وطوي خبر ما ذا حدث بعد نزولها لأنّه لا أثر له في المراد من القصّة ، وهو العبرة بحال إيمان الحواريّين وتعلّقهم بما يزيدهم يقينا ، وبقربهم إلى ربّهم وتحصيل مرتبة الشهادة على من يأتي بعدهم ، وعلى ضراعة المسيح الدالّة على عبوديته ، وعلى كرامته عند ربّه إذ أجاب دعوته ، وعلى سعة القدرة. وأمّا تفصيل ما حوته المائدة وما دار بينهم عند نزولها فلا عبرة فيه. وقد أكثر فيه المفسّرون بأخبار واهية الأسانيد سوى ما أخرجه الترمذي في أبواب التفسير عن الحسن بن قزعة بسنده إلى عمّار بن يسار قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما» الحديث. قال الترمذي : هذا الحديث رواه غير واحد عن عمّار بن ياسر موقوفا ولا نعرفه مرفوعا إلّا من حديث الحسن بن قزعة ولا نعلم للحديث المرفوع أصلا.
واختلف المفسّرون في أنّ المائدة هل نزلت من السماء أو لم تنزل. فعن مجاهد والحسن أنّهم لمّا سمعوا قوله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ) الآية خافوا فاستعفوا من طلب نزولها فلم تنزل. وقال الجمهور : نزلت. وهو الظاهر لأنّ قوله تعالى : (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) وعد لا يخلف ، وليس مشروطا بشرط ولكنه معقّب بتحذير من الكفر ، وذلك حاصل أثره عند الحواريّين وليسوا ممّن يخشى العود إلى الكفر سواء نزلت المائدة أم لم تنزل.
وأمّا النصارى فلا يعرفون خبر نزول المائدة من السماء ، وكم من خبر أهملوه في الأناجيل.
[١١٦ ـ ١١٨] (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي