الأصل في الترتيب الذكري أن يدلّ على التّرتيب الوجودي ، فالأرجل يجب أن تكون مغسولة ؛ إذ حكمة الوضوء وهي النّقاء والوضاءة والتنظّف والتأهّب لمناجاة الله تعالى تقتضي أن يبالغ في غسل ما هو أشدّ تعرّضا للوسخ ؛ فإنّ الأرجل تلاقي غبار الطرقات وتفرز الفضلات بكثرة حركة المشي ، ولذلك كان النّبيء صلىاللهعليهوسلم يأمر بمبالغة الغسل فيها ، وقد نادى بأعلى صوته للذي لم يحسن غسل رجليه «ويل للأعقاب من النّار».
وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، وأبو بكر عن عاصم ، وخلف ـ بخفض ـ (وَأَرْجُلَكُمْ). وللعلماء في هذه القراءة تأويلات : منهم من أخذ بظاهرها فجعل حكم الرجلين المسح دون الغسل ، وروي هذا عن ابن عبّاس ، وأنس بن مالك ، وعكرمة ، والشعبي ، وقتادة. وعن أنس بن مالك أنّه بلغه أنّ الحجّاج خطب يوما بالأهواز فذكر الوضوء فقال : «إنّه ليس شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما» فسمع ذلك أنس بن مالك فقال : صدق الله وكذب الحجّاج قال الله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ). ورويت عن أنس رواية أخرى : قال نزل القرآن بالمسح والسنّة بالغسل ، وهذا أحسن تأويل لهذه القراءة فيكون مسح الرجلين منسوخا بالسّنة ، ففي الصحيح أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى قوما يتوضّئون وأعقابهم تلوح ، فنادى بأعلى صوته «ويل للأعقاب من النّار» مرّتين. وقد أجمع الفقهاء بعد عصر التّابعين على وجوب غسل الرجلين في الوضوء ولم يشذّ عن ذلك إلّا الإمامية من الشيعة ، قالوا : ليس في الرجلين إلّا المسح ، وإلّا ابن جرير الطبري : رأى التخيير بين الغسل والمسح ، وجعل القراءتين بمنزلة روايتين في الإخبار إذا لم يمكن ترجيح إحداهما على رأي من يرون التخيير في العمل إذا لم يعرف المرجّح. واستأنس الشعبي لمذهبه بأنّ التيمّم يمسح فيه ما كان يغسل في الوضوء ويلغى فيه ما كان يمسح في الوضوء. ومن الذين قرءوا ـ بالخفض ـ من تأوّل المسح في الرجلين بمعنى الغسل ، وزعموا أنّ العرب تسمّي الغسل الخفيف مسحا وهذا الإطلاق إن صحّ لا يصحّ أن يكون مرادا هنا لأنّ القرآن فرّق في التعبير بين الغسل والمسح.
وجملة (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ـ إلى قوله ـ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) مضى القول في نظيره في سورة النّساء بما أغنى عن إعادته هنا.
وجملة (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) تعليل لرخصة التيمّم ، ونفي الإرادة هنا كناية عن نفي الجعل لأنّ المريد الّذي لا غالب له لا يحول دون إرادته عائق.