المعنى ولو بوجه أعمّ أو أخصّ ، وذلك يحصل به معنى التّأكيد.
وعندي : أنّ كلا الوجهين غير ظاهر ، والذي أرى أنّ بين معنيي العداوة والبغضاء التضادّ والتباين ؛ فالعداوة كراهية تصدر عن صاحبها : معاملة بجفاء ، أو قطيعة ، أو إضرار ، لأنّ العداوة مشتقّة من العدو وهو التجاوز والتباعد ، فإنّ مشتقّات مادة (ع د و) كلّها تحوم حول التفرّق وعدم الوئام. وأمّا البغضاء فهي شدّة البغض ، وليس في مادة (ب غ ض) إلّا معنى جنس الكراهية فلا سبيل إلى معرفة اشتقاق لفظها من مادتها. نعم يمكن أن يرجع فيه إلى طريقة القلب ، وهو من علامات الاشتقاق ، فإنّ مقلوب بغض يكون غضب لا غير ، فالبغضاء شدّة الكراهية غير مصحوبة بعدو ، فهي مضمرة في النفس. فإذا كان كذلك لم يصحّ اجتماع معنيي العداوة والبغضاء في موصوف واحد في وقت واحد فيتعيّن أن يكون إلقاؤهما بينهما على معنى التّوزيع ، أي أغرينا العداوة بين بعض منهم والبغضاء بين بعض آخر. فوقع في هذا النظم إيجاز بديع ، لأنّه يرجع إلى الاعتماد على علم المخاطبين بعدم استقامة اجتماع المعنيين في موصوف واحد.
ومن اللّطائف ما ذكره ابن هشام ، في شرح قصيدة كعب بن زهير عند قول كعب :
لكنّها خلّة قد سيط من دمها |
|
فجع وولع وإخلاف وتبديل |
أنّ الزمخشري قال : إنّه رأى نفسه في النّوم يقول : العداوة مشتقّة من عدوة الوادي ، أي جانبه ، لأنّ المتعاديين يكون أحدهما مفارقا للآخر فكأنّ كلّ واحد منهما على عدوة اه. فيكون مشتقّا من الاسم الجامد وهو بعيد.
وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم كان عقابا في الدنيا لقوله : (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) جزاء على نكثهم العهد. وأسباب العداوة والبغضاء شدّة الاختلاف : فتكون من اختلافهم في نحل الدّين بين يعاقبة ، وملكانية ، ونسطورية ، وهراتقة (بروتستانت) ؛ وتكون من التحاسد على السلطان ومتاع الدّنيا ، كما كان بين ملوك النّصرانية ، وبينهم وبين رؤساء ديانتهم.
فإن قيل : كيف أغريت بينهم العداوة وهم لم يزالوا إلبا على المسلمين؟ فجوابه : أنّ العداوة ثابتة بينهم في الدين بانقسامهم فرقا ، كما قدّمناه في سورة النساء [١٧١] عند قوله تعالى : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) ، وذلك الانقسام يجرّ إليهم العداوة وخذل بعضهم بعضا. ثمّ إنّ دولهم كانت منقسمة ومتحاربة ، ولم تزل كذلك ، وإنّما تألّبوا في