الغين وسكون الدال وبواو ساكنة بعد الدال ـ وهي لغة في الغداة.
وجملة (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) حال من الضمير المرفوع في (يَدْعُونَ) ، أي يدعون مخلصين يريدون وجه الله ، أي لا يريدون حظا دنيويا.
والوجه حقيقة الجزء من الرأس الذي فيه العينان والأنف والفم. ويطلق الوجه على الذات كلّها مجازا مرسلا.
والوجه هنا مستعار للذات على اعتبار مضاف ، أي يريدون رضى الله ، أي لا يريدون إرضاء غيره. ومنه قوله تعالى : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) [الإنسان : ٩] ، وقوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ، وتقدّم في سورة البقرة [١١٥]. فمعنى (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أنّهم آمنوا ودعوا الله لا يريدون بذلك عرضا من الدنيا. وقد قيل : إنّ قريشا طعنوا في إيمان الضعفاء ونسبوهم إلى النفاق ، إلّا أنّ هذا لم يرد به أثر صحيح ، فالأظهر أنّ قوله (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) ثناء عليهم بكمال إيمانهم ، وشهادة لهم بأنّهم مجرّدون عن الغايات الدنيوية كلّها ، وليس المقصود به الرّدّ على المشركين.
وجملة (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) تعليل للنهي عن طردهم ، أو إبطال لعلّة الهمّ بطردهم ، أو لعلّة طلب طردهم. فإنّ إبطال علّة فعل المنهي عنه يؤول إلى كونه تعليلا للنهي ، ولذا فصلت هذه الجملة.
والحساب : عدّ أفراد الشيء ذي الأفراد ويطلق على إعمال النظر في تمييز بعض الأحوال عن بعض إذا اشتبهت على طريقة الاستعارة بتشبيه تتبّع الأحوال بعدّ الأفراد. ومنه جاء معنى الحسبة ـ بكسر الحاء ـ ، وهي النظر في تمييز أحوال أهل السوق من استقامة وضدّها. ويقال : حاسب فلانا على أعماله إذا استقراها وتتبّعها. قال النابغة :
يحاسب نفسه بكم اشتراها
فالحساب هنا مصدر حاسب. والمراد به تتبّع الأعمال والأحوال والنظر فيما تقابل به من جزاء.
وضمير الجمع في قوله : (مِنْ حِسابِهِمْ) وقوله (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ) يجوز أن يكونا عائدين إلى (الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) وهو معاد مذكور ، وهو المناسب لتناسق الضمائر مع قوله (فَتَطْرُدَهُمْ). فالمعنى أنّهم أهل الحقّ في مجلسك لأنّهم مؤمنون فلا يطردون عنه وما عليك أن تحسب ما عدا ذلك من الأمور العارضة لهم بزعم المشركين ، وأنّ حضور