أولئك في مجلسك يصدّ كبراء المشركين عن الإيمان ، أي أنّ ذلك مدحوض تجاه حقّ المؤمنين في مجلس رسولهم وسماع هديه.
وقيل معنى : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ) أنّ المشركين طعنوا في إخلاص هؤلاء النفر ، قالوا : يا محمد إنّ هؤلاء إنّما اجتمعوا عندك وقبلوا دينك لأنّهم يجدون مأكولا وملبوسا عندك ، فقال الله تعالى : ما يلزمك إلّا اعتبار ظاهرهم وإن كان لهم باطن يخالفه فحسابهم على الله ، أي إحصاء أحوالهم ومناقشتهم عليها على نحو قول نوح (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) [الشعراء : ١١٣]. فمعنى حسابهم على هذا الوجه تمحيص نياتهم وبواطنهم.
والقصد من هذا تبكيت المشركين على طريقة إرخاء العنان ، وليس المراد استضعاف يقين المؤمنين. و (حِسابِهِمْ) على هذا الوجه من إضافة المصدر إلى مفعوله.
ويجوز أن يكون الضميران عائدين إلى غير مذكور في الكلام ولكنّه معلوم من السياق الذي أشار إليه سبب النزول ، فيعود الضميران إلى المشركين الذين سألوا طرد ضعفاء المؤمنين من مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم فيكون ضمير (فَتَطْرُدَهُمْ) عائدا إلى المؤمنين. ويختلف معاد الضميرين اعتمادا على ما يعيّنه سياق الكلام ، كقوله تعالى : (وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) [الروم : ٩] ، وقول عباس بن مرداس في وقعة حنين :
عدنا ولو لا نحن أحدق جمعهم |
|
بالمسلمين وأحرزوا ما جمّعوا |
أي أحرز المشركون ما جمعه المسلمون من الغنائم.
والمعنى : ما عليك من حساب المشركين على الإيمان بك أو على عدم الإيمان شيء ، فإنّ ذلك موكول إليّ فلا تظلم المؤمنين بحرمانهم حقّا لأجل تحصيل إيمان المشركين ، فيكون من باب قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) [النساء : ١٣٥].
وعلى هذا الوجه يجوز كون إضافة (حِسابِهِمْ) من إضافة المصدر إلى مفعوله ، أي محاسبتك إيّاهم. ويجوز كونها من إضافته إلى فاعله ، أي من حساب المشركين على هؤلاء المؤمنين فقرهم وضعفهم.
و (عَلَيْكَ) خبر مقدّم. و (على) فيه دالّة على معنى اللزوم والوجوب لأنّ الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ همّ أو كان بحيث يهمّ بإجابة صناديد قريش لما سألوه ، فيكون تنبيها على أنّ تلك المصلحة مدحوضة.