وقد طعن بعضهم في هذه الرواية ؛ لأن هذه الواقعة حدثت في حال الصغر ، وذلك من المعجزات ، فلا يجوز أن تتقدم نبوته ، ولأن تأثير الغسل في إزالة أوساخ الأجسام ، والمعاصي ليست بأجسام ، فلا يكون للغسل فيها أثر ، ولأنه لا يصح أن يملأ القلب علما ، بل الله تعالى يخلق فيه العلوم.
وأجاب الإمام فخر الدين الرازي عن ذلك بأن هذا يسمى الإرهاص ، وهو مقدمات النبوة وبشائرها ، ومثله في حق الرسول صلىاللهعليهوسلم كثير ، ولا يبعد أن يكون غسل الدم الأسود من قلب الرسول صلىاللهعليهوسلم علامة للقلب الذي يميل إلى المعاصي ، ويحجم عن الطاعات ، فإذا أزالوه كان ذلك كالعلامة على كون صاحبه معصوما ، مواظبا على الطاعات ، محترزا عن السيئات ، وأيضا فلأن الله تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد (١).
(وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) أي حططنا عنك ما كنت تتصور من وجود ذنوب ومعاص أثقلت كاهلك ، وأتعبت نفسك ، سواء قبل النبوة أم بعدها مما تفعله خلاف الأولى ، وهو لا يتفق مع سمو قدرك ، ورفعة منزلتك ، وعلو شأنك ، كالإذن لبعض المنافقين بالتخلف عن الجهاد في موقعة تبوك ، وقبول الفداء من أسرى بدر ، والعبوس في وجه الأعمى.
وقيل : المراد حططنا عنك حمل أعباء النبوة والرسالة ، فسهلناها عليك ، حتى تيسرت لك.
(وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) أي جعلنا ذكرك مرفوعا عاليا في الدنيا والآخرة ، بالنبوة وختم الرسالات بك ، وإنزال القرآن العظيم عليك ، وتكليف المؤمنين بالقول بعد «أشهد أن لا إله إلا الله» : «أشهد أن محمدا رسول الله» سواء في
__________________
(١) تفسير الرازي : ٣٢ / ٢