عذاب الدنيا بالغرق ، ليتعظ به من يسمع خبره ، وإن فيما ذكر من قصة فرعون وما فعل به عبرة عظيمة لمن شأنه أن يخشى الله ويتقيه ويتعظ وينزجر ، فينظر في أحداث الماضي ، ويقيس بها أحوال الحاضر والمستقبل. فقوله : (الْآخِرَةِ وَالْأُولى) أي الدنيا والآخرة ، وهو الصحيح في معنى الآية كما قال ابن كثير.
فقه الحياة أو الأحكام :
إن قصة موسى عليهالسلام مع فرعون وجنوده عبرة لمن اعتبر ، وعظة لمن اتعظ ، فقد أرسله الله إليه ، وأيّده بالمعجزات ، ومع هذا استمر فرعون في كفره وطغيانه ، فانتقم الله منه انتقاما شديدا ، وأغرقه وجنوده في البحر الأحمر.
وفي القصة تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم عما يلاقيه من صدود قومه ، وتحذير للكفار المتمردين والعتاة المتجبرين بإنزال عقاب مماثل إن استمروا في كفرهم وعتوهم وإعراضهم عن قبول دعوة الإسلام.
فلقد كان فرعون أقوى من كفار أي عصر ، فإنه تجاوز الحدّ في العصيان ، وأبى قبول دعوة موسى إلى تطهير نفسه من الذنوب والمآثم والكفر ، ولم يقبل ما أرشده إليه من طاعة ربّه ، ولم يصدّق بمعجزته وهي انقلاب العصا حية ، أو اليد البيضاء تبرق كالشمس ، وكذّب نبوته وعصى ربّه عزوجل ، وولّى مدبرا معرضا عن الإيمان ، ساعيا في الأرض بالفساد ، وقال لقومه بصوت عال : أنا ربّكم الأعلى ، أي لا ربّ لكم فوقي.
ولكنه مع كل هذا لم يعجز الله القوي القادر القاهر ، فأهلكه الله في الدنيا مع جنوده بالغرق ، وسيعذبه في الآخرة بنار جهنم.
إن في هذه القصة ، وما أحل الله بفرعون من الخزي ، وتحقيق العلو والنصر لموسى عليهالسلام ، لاعتبارا وعظة لمن يخاف الله عزوجل ، ففيها بيان العقاب العادل وأسبابه ومسوغاته ، وبها يتبين لكل عاقل ضرورة أن يدع التمرد على