ولا شك أن الأحوال قد تغيّرت اليوم عما كانت عليه في عصر الغزي قبل سبعين سنة تقريبا ، حيث اتّسع البناء في حلب وما زال يتسع ، وأقيمت أحياء سكنية جديدة كحيّ السبيل ، والمحافظة ، والشهباء ، وحلب الجديدة ، والحمدانية ، وصلاح الدين .. إلخ. وهذا ما سبب تغييرا جذريا في طبقات الناس ، وأعدادهم ، وفي بعض عاداتهم وتقاليدهم ، حتى أصبح الأمر يحتاج إلى كتاب آخر يكون ذيلا لنهر الذهب.
٣ ـ والجزء الثالث : يشتمل على الباب الثاني من أبواب الكتاب ، وفيه يتقصى تاريخ حلب منذ أقدم العصور حتى عصر المؤلف في الربع الأول من القرن العشرين. ويدخل في ذلك ذكر الأمم التي سكنت حلب والدول التي حكمتها ، وكذلك فتح المدينة في صدر الإسلام والحوادث التي طرأت عليها بعد ذلك وما أصابها من زلازل وكوارث .. نتيجة لتنقل الدول وتبدل الحكام ، وتعاقب الحروب والأوبئة ، والفتن والمجاعات. وقد سار في ذلك كله على ترتيب السنين الهجرية ، سنة سنة ، حتى عصره ، حين حلّ الانتداب الفرنسي في سورية ، ويفصل في الكلام على أحوال حلب في ظلّ هذا الانتداب.
ويختم هذا الجزء بخلاصة مركزه عدّد فيها الأماكن القديمة التي يقصدها السيّاح في مدينة حلب وضواحيها ، وكذلك الأماكن التي هي مظنّة لوجود العاديات والذخائر النفيسة.
وبذلك ينتهي الجزء الثالث ، حيث قال في آخره ما نصّه :
«انتهى الجزء الثالث من كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب ، ويليه الجزء الرابع : المشتمل على الباب الثالث المفتتح بقولي : الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده».
لكن هذا الجزء لم يطبع حتى اليوم ، ولا ندري أكان معدّا للطباعة في حياة المؤلف نفسه ، أم إنه كان ينوي تأليفه بعد أن ينتهي من طبع الأجزاء الثلاثة؟ لكن الدلائل تشير إلى أن مسوّدته ـ على الأقل ـ كانت موجودة ثم انتقلت إلى الورثة ، يدل على ذلك العبارة التي ختم بها الجزء الثالث ، من جهة ، وما في الأجزاء الثلاثة من بعض الإحالات ـ في تراجم الرجال ـ على الجزء الرابع من جهة أخرى ، حتى إن الطباخ يذكر في «إعلام النبلاء» (١) أن كتاب نهر الذهب في أربعة مجلدات ، تصفح منها ثلاثة ، ونقل منها ترجمتين اثنتين.
__________________
(١) انظر إعلام النبلاء ١ / ٥٢ ط. دار القلم العربي بحلب.