خزائن الغرب في هذا الموضوع. وكان الرجل متسامحا أشد التسامح ، يأخذ عن المصادر المختلفة ، من أي جهة كانت».
أما أسلوب المؤلف في كتابه فإنه سهل واضح ، وبعيد عن الصنعة والتأنق ، وتلك سمات النثر التأليفي الذي يتناول به صاحبه موضوعات اجتماعية وتاريخية وعمرانية وما إليها ، وربما وجدنا في الكتاب أحيانا فقرات تبدو عليها مسحة فنية من التأنق ، وغلالة رقيقة من الصنعة ، وهذا ظاهر في مقدمات أجزاء الكتاب ، أو في نصوص وقفية طلب من الغزي إنشاؤها في مناسبات خاصة ، فيأتي أسلوبه فيها على طريقة كتاب عصره آنذاك.
وظاهرة أخرى نجدها في كتاب الغزي ، تلك أنه يترخّص في بعض التعابير أحيانا ، وقد يتساهل في الالتزام بقواعد اللغة والرسم (الإملاء) ولا سيما كتابة الهمزة في وسط الكلمة ، وربما تصرّف في بعض النصوص التي ينقلها. عرفنا ذلك من مقابلة تلك النصوص بأصولها القديمة التي لم يكن لها في عصره إلا طبعة وحيدة. وهو تساهل مألوف لدى كثير من المؤلفين ، ولا سيما المتأخرين منهم.
والحق أن كتاب «نهر الذهب» ذو قيمة كبيرة ، ويتجلّى فيه الجهد الوافر ، والعمل الشخصي ، والابتكار الظاهر ، مع تخير وانتقاء ، ونقد وتمحيص ، دون أن يكتفي صاحبه بالجمع من المصادر وحدها ، ولا غنى عنه لكل باحث أو دارس في تاريخ حلب خاصة ، وسورية الشمالية عامة ، ولا يغني عنه غيره ، على الرغم من كثرة ما ألف عن حلب ، كتبه عالم جليل سعى جهده ليكون كتابه شاملا لأحوال حلب في شتى المجالات والعصور ، فجاء مرجعا مهما لكل من يريد الإحاطة بتاريخ حلب السياسي ، والاقتصادي ، والاجتماعي ، والفكري ، وما فيها من الآثار والأوابد ، وما طرأ عليها من تطور حتى الربع الأول من القرن العشرين.
ولا شك أن مدينة حلب ومختلف مرافق الحياة فيها قد تبدلت اليوم وتطورت كثيرا عما كانت عليه في زمن الغزي ، بعد مرور سبعة عقود من السنين ، وهذا كله يقتضي تأليف كتاب آخر ينهض بما استجدّ من ألوان الحياة والعادات والعمران والثقافة والاقتصاد والزراعة وما إلى ذلك. وكان بودنا أن نضيف ذلك في تعليقاتنا على الكتاب ، ولكننا وجدنا في ذلك إثقالا وإملالا للقارىء ، وتضخيما لحجم الكتاب بما لا مسوّغ له. فاكتفينا بما هو ضروري من تلك