حكى ابن خطيب الناصرية في تاريخه درّ الحبب (١) أنه حضر إلى حلب رجل يقال له يحيى بن أحمد الهزلي أحد أكابر الشيعة واتصل بنقيب أشرافها عز الدين المرتضى وحظي عنده إلا أنه استرسل معه في الحديث في يوم من الأيام وذكر الصديق رضي الله عنه بما يخلّ بمقامه فغضب عليه وشهره على جمل وطاف به الشوارع وهو يضرب بالدرّة وعظم قدر المرتضى عند الناس وتحققوا حبه للصحابة. وكان ذلك بعد الخمسين والستمائة. ثم في حدود الألف وما بعدها أخذ أهل التشيع يتنكرون وبأفعال أهل السنة يتظاهرون فصار يتسنى لهم أن يتزلفوا إلى الحكومة ويحرزوا من قبلها المناصب العالية ويبطشوا بأهل السنة باطنا إلى أن كان من أمرهم ما سنورده في ترجمة مصطفى بن يحيى بن قاسم الحلبي الشهير بطه زاده. وبعد أن فتك بهم المذكور أخفوا أمرهم. وربما كان أهل السنة في أواسط القرن الثالث عشر يظفرون بشيعي فعل منكرا فشهروه بإحراق خشبة يطاف بها في شوارع حلب وينادي حاملها هذه خشبة فلان الرافضي. ثم انقطع هذا العمل لانقراض الشيعة وتلاشيهم بالمرة غير أنه لم يزل يوجد في حلب عدة بيوت معلومة يقذفهم بعض الناس بالرفض والتشيع ويتحامون الزواج معهم مع أن ظاهرهم على كمال الاستقامة وموافقة أهل السنة والجماعة والله أعلم بحقيقة عباده.
أقول : لم يزل يوجد في قضاء إدلب وقضاء جبل سمعان عدة قرى مختصة بسكنى الشيعة كقرية الفوعة والنغاولة ونبّل. والغالب على أهل هذه القرى الثروة والغنى لطيب تربة أراضيهم وجودة معرفتهم بالفلاحة والزراعة إلا أنهم ليسوا بأصحاب نفوذ وهم إمامية اثنا عشرية يدينون بالتقيّة ويقولون إن جعفرا الصادق كان يدين بها ويقول (التقية ديني ودين آبائي وأجدادي ومن لا تقية له لا دين له). وفيهم علماء يسافرون في طلب العلم إلى بغداد ومشهد الحسين. والفوعة قرية عظيمة تضاهي قصبة. وأهلها معروفون بالتشيع من قديم الزمان وفيهم أولو أنساب علوية عالية. وكان يرسل إلى هذه القرية قاض مستقل في دولة الأتراك والجراكسة وأوائل الدولة العثمانية أما الآن فهي تابعة قضاء إدلب.
__________________
(١) لم يرد الخبر التالي في «در الحبب» لابن الحنبلي. وهذا سهو من المؤلف وهو يريد هنا كتاب «الدر المنتخب» الذي ألفه ابن خطيب الناصرية. وسبق مثل هذا الوهم ص ١٤٣.