إلا نزل به وكان يقول كانت والدتي محسنة إلى أهله وتوصيني به خيرا وفيه بساتين وزعفران وفيه يقول الحسن بن علي التميمي :
يا دير مارت مروثا |
|
سقيت غيثا مغيثا |
فأنت جنة حسن |
|
قد حزت روضا أثيثا (١) |
وكانت الحكومات الإسلامية في تلك الأزمان تثق بأمانة المسيحيين وتعتمد عليهم في مهماتها وتستخدمهم في أجل وظائفها. فقد ذكر ياقوت في كتابه المذكور أيضا أن صاعد ابن شمامة الحلبي النصراني كان مستخدما عند بني مرداس في كتابة الدولة. قال : وهو القائل في الخمرة :
خافت صوارم أيدي المازجين لها |
|
فألبست رأسها درعا من الزرد |
واستخدم الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين في جباية أموال مملكته ، أي في نظارة ماليته ، كريم الدولة بن شرارة النصراني. على أن تشريفه بعنوان (كريم الدولة) كاف في الاستدلال على الاحترام الذي كان يوجهه إلى المسيحيين أعاظم ملوك الإسلام.
وكان المسيحيون في حلب يساكنون إخوانهم المسلمين في محلاتهم غير منفردين عنهم. وكانت بعض معابد الأمتين متجاورة. ومنها ما هو مقبل ببابه على باب معبد الطائفة الأخرى. قال ابن شداد : فكان يقف على باب الجامع كذا وكذا بغلة لرؤساء المسلمين من الكتّاب والمتصرفين. وعلى باب البيعة كذا وكذا بغلة لرؤساء النصارى من الكتاب والمتصرفين.
هكذا كانت حالة الوفاق والمواساة سائدة بين هاتين الأمتين المغتبطتين بحسن الجوار ومكنة الجامعة الوطنية.
__________________
(١) الأثيث : ذو الأشجار والنباتات الكثيرة الملتفة. وقوله في البيت الأول «مارت» يقرأ بإسقاط الألف ليستقيم الوزن «مرت».