منه فيبارك فيه ولا يتصدق به فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إن الله لا يمحو السيّئ بالسيّئ ولكن يمحو السيّئ بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث. وقال عليه السلام : من آذى جاره فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن حارب جاره فقد حاربني ومن حاربني فقد حارب الله عز وجل. وقال عليه السلام لأصحابه : ما تقولون في الزّنى قالوا حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة فقال عليه السلام لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره. قال : فما تقولون في السرقة قالوا حرمها الله ورسوله فهي حرام إلى يوم القيامة قال : لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره. إلى غير ذلك من الأخبار والأحاديث الحاثة على الإحسان للجار وتكريمه ومؤاساته والرفق به مسلما كان أم غير مسلم.
قال حجة الإسلام الغزالي في كتاب الإحياء ما خلاصته : إنه ليس حق الجوار كف الأذى عنه فقط بل احتمال الأذى منه. فإن الجار أيضا قد كف أذاه عنك فليس في ذلك قضاء حقّ الجوار ، ولا يكفي احتمال الأذى أيضا بل لا بد من الرفق وإسداء المعروف إذ يقال إن الجار الفقير يتعلق بجاره الغني يوم القيام فيقول : يا رب سل هذا لم منعني معروفه وسدّ بابه دوني. وبلغ ابن المقفع أن جارا له يبيع داره في دين ركبه ، وكان ابن المقفع يجلس في ظل داره فقال : ما قمت إذا بحرمة ظل داره إن باعها معدما. فدفع إليه ثمن الدار وقال لا تبعها. وشكا بعضهم كثرة الفار في داره فقيل له لو اقتنيت هرا فقال : أخشى أن يسمع الفار صوت الهر فيهرب إلى دور الجيران فأكون أحببت لهم ما لا أحب لنفسي.
وحكي عن سهل التّستري أنه كان له جار مجوسيّ انفتح من خلائه محل لدار سهل يتساقط منه القذر ، فأقام سهل مدة ينحّي ليلا ما يجمع منه في بيته نهارا فلما مرض سهل أحضر جاره المجوسي وأخبره واعتذر بأنه خشي من ورثته أنهم لا يحملون ذلك فيخاصموه ، فعجب المجوسي من صبره على هذا الإيذاء العظيم ثم قال له : تعاملني بذلك منذ هذا الزمان الطويل وأنا مقيم على كفري؟ مدّ يدك لأسلم. فمد يده فأسلم. ثم مات سهل رحمه الله. فتأمل نتيجة صبره.