وحجر القوف الذي تعمل منه الأرحاء ، ولكل نوع منها مقطع خاص به في ضاحية حلب. والغالب أن تكون الدار المعتبرة عند أكثر قدماء الحلبيين رحبة يسمونها صحنا مفروشة بالرخام الملون ، مساحتها عشرون ذراعا في مثلها أو أكثر. في جهتها الجنوبية المتجهة للشمال إيوان ، في كل من جانبيه وصدره بيت يعرف بالقبة. وقد يكون فوقه غرفة تعرف بالمربع. وتحته قبو يعرف بالمغارة يهبط إليها بدركات. وتجاه الإيوان حوض يجري إليه الماء من القناة أو من حاصل يملأ من بئر الدار. ووراء الحوض دكة يسمونها مصطبة. وراءها أو في كل من جانبيها حديقة فيها أشجار من الفصيلة العالية الدائمة النضارة والاخضرار ، وفوق هذه الدكة عريش جميل الصناعة ، عرش عليه الياسمين أو ما هو من فصيلته ، وفي كل جهة من بقية جهات الصحن بيوت قائمة على مغاير معدة لحفظ المؤونات.
أما الدور العظيمة القديمة ، فالغالب أن تكون جهتها الموجهة إلى الجنوب خالية من الغرف والخلوات ، كأنهم كانوا يتحاشون من البناء في هذه الجهة فرارا من حرها في فصل الصيف لأن الشمس تتسلط عليها أكثر من تسلطها على غيرها من بقية الجهات. ثم إن الدار العظيمة قد يكون فوق كل مسكن منها غرفة عالية تعرف بالمربع ، سوى البيت القائم في الجهة الغربية الموجهة شرقا ، فالغالب خلوّ سطحه عن الغرفة دفعا لمعارضة الهواء الغربي. وفي الدور العظام القديمة قد تكون الجهة الموجهة جنوبا معمورة بقاعة ذات أواوين وغرف فسيحة الرحاب عالية القباب واسعة العتبة ، فيها حويض يعرف بالفسقيّة (١). وقد يكون في مثل هذه الدار حمام مختص بسكانها ، والبعض من هذه الدور يكون فوق إحدى جهاتها عدة غرف. تجاهها مصيف سماوي أو مسقوف يعرف ذلك بالديوانخانة. وفيها ما يكون فيه بيت سقفه قبة مستطيلة معقودة بالقرميد أو الحجر ، فيها نحو مائة نافذة صغيرة مسدودة بطاسات من الزجاج الكثيف الملون ، يعرف هذا البيت بالثكنة وفيها ما له دار صغيرة تعرف بدار المطبخ معدة للطبخ وسكنى الطباخ والخدم. وهذه الدار كلها يقال لها الحرم. ويتصل بها غالبا دار دونها في العظم وعدد المساكن لها مدخل مختص بها ، يقال لها القناق أو الأوطة ، معدّة لنزل المسافرين ومجالسة الأحباب وأصحاب المصالح ، فترى الرجل عندنا ممتّعا من داره بجنّة دائمة يتنقل فيها في كل فصل إلى ما يلائمه من المساكن. والمرأة المحتجبة تنال
__________________
(١) في الأصل : «بالفستقة» خطأ. والفسقية : حوض من الرخام ونحوه ، مستدير ، ذو نافورة.