شرائعكم ، فإنكم على ضلال لا يرضاه الله (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) (١٩) : على انقطاع منهم ودروس مما جاءوا به (١) والله أعلم.
٨٧ ـ قوله : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ) (١٧). ثم كرّر فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١٨) كرّر ، لأن :
الأولى : نزلت فى النصارى حين قالوا : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (١٧) ، فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) ، ليس فيهما معه شريك ، ولو كان عيسى إلها لاقتضى أن يكون معه شريكا ، ثم من يذبّ عن المسيح وأمه وعمن فى الأرض جميعا إن أراد إهلاكهم ، فإنهم كلهم مخلوقون له ، وإن قدرته شاملة عليهم ، وعلى كل ما يريد بهم (٢).
والثانية : نزلت فى اليهود والنصارى حين قالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (١٨) فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) (١٨) ، والأب لا يملك ابنه ، ولا يهلكه ، ولا يعذّبه ، وأنتم مصيركم إليه ، فيعذب من يشاء منكم ، ويغفر لمن يشاء (٣).
__________________
(١) هذه الكلمة (على فترة من الرسل) برهان لإعجاز القرآن ، لأنها تبطل دعوى التكرار بلا فائدة ، إذ أن فترة الرسل تحتم نسيان الشرائع ، وتعين أن البيان متوجه إلى الشرائع ، لا إلى ما كتموه مما هو مبيّن فى الآية (١٥).
(٢) كما أن قوله تعالى : (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) يفيد أن الله خلق ما يشاء من أنواع الخلق باعتبار «ما» نكرة موصوفة محلها النصب على المصدرية ، لا على المفعولية. أى : يخلق أى خلق يشاؤه ، فتارة يخلق من غير أصل كالسماوات والأرض ، أو من أصل كخلق ما بينهما ، ومن ذكر وأنثى ، أو من ذكر فقط كآدم ، أو من أنثى وحدها كعيسى ، وبتوسط كخلق الطير على يد عيسى ... إلخ. انظر (إرشاد العقل السليم ٣ / ٣٠ والأنموذج الجليل ، ورقة ١٨ [أ]).
(٣) أخرج ابن جرير فى تفسيره ١٠ / ١٥٠ / ١٥١٠ عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم نعمان بن أضاء ، وبحرى بن عمرو ، وشاس بن عدى ، فكلموه وكلمهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ودعاهم إلى الله ، وحذرهم نقمته ، فقالوا : ما تخوفنا يا محمد؟ نحن والله أبناء الله وأحباؤه ، كقول النصارى فأنزل الله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).