السورة التي يذكر فيها الروم
قوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [٤] يعني من قبل كل شيء ، ومن بعد كل شيء ، لأنه هو المبدئ والمعيد ، سبق تدبيره في الخلق ، لأنه عالم بهم في الأصل والفرع.
قوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ) [٤٠] قال : أفضل الرزق السكون إلى الرازق.
قوله (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) [٤٠] يعني يهلككم. قال : إن الله تعالى خلق الخير والشر ، ووضع الأمر والنهي ، فاستعبدنا بالخير وقرنه بالتوفيق ، ونهانا عن الشر وقد قرن ارتكابه بترك العصمة والخذلان ، فالجميع خلقه ، فمن وفق للخير وجب عليه الشكر ، ومن ترك مع الشر وجب عليه الاستغاثة بالله عزوجل.
قوله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [٤١] قال : مثل الله تعالى الجوارح بالبر ، ومثل القلب بالبحر ، وهم أعم نفعا وأكثر خطرا ، هذا باطن الآية ، ألا ترى أن القلب إنما سمي قلبا لتقلبه وبعد غوره ، ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم لأبي الدرداء (١) رضي الله عنه : «جدد السفينة فإن البحر عميق» (٢) ، يعني جدد النية لله تعالى من قلبك ، فإن البحر عميق ، فحينئذ إذا صارت المعاملة في القلوب التي هي بحور ليس له منها مخرج ، وخرجت النفس من الوسط ، استراحت الجوارح ، فصار صاحبها في كل يوم أقرب إلى غورها ، وأبعد من نفسه حتى يصل.
وسئل عن معنى قوله صلىاللهعليهوسلم : «من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه» (٣) فقال : للقلب ثلاث مقامات : جمهور القلب ، ومقام اللسان من القلب ، ومقام الجوارح من القلب. وقوله : «ذهب ثلثا دينه» يعني اشتغل من الثلاثة اثنان : اللسان وسائر الجوارح ، وبقي الجمهور الذي لا يصل إليه أحد ، وهو موضع إيمانه من القلب.
__________________
(١) أبو الدرداء : عويمر بن مالك بن قيس الأنصاري (... ـ ٣٢ ه) : صحابي ، من الحكماء الفرسان القضاة ، وهو أول قاض عين بدمشق. (الحلية ١ / ٢٠٨).
(٢) في الفردوس بمأثور الخطاب ٥ / ٣٣٩ رقم ٨٣٦٨ أنه حديث خاطب به رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا ذر الغفاري.
(٣) كشف الخفاء ٢ / ٣١٦ ـ ٣١٧ ؛ وشعب الإيمان ٦ / ٢٩٨ ؛ وفي قوت القلوب ٢ / ٢٠ أنه خبر منقول من التوراة.