السورة التي يذكر فيها القلم
قوله تعالى : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) [١] قال : النون اسم من أسماء الله تعالى ، إذا جمعت بين أوائل السور : «الر» و «حم» و «ن» فهو اسم الرحمن (١). وقال ابن عباس رضي الله عنهما : النون الدواة التي كتب الذكر منها ، والقلم الذي كتب به الذكر الحكيم. (وَما يَسْطُرُونَ) [١] ما تكتبه الحفظة من أعمال بني آدم. وقال عمر بن واصل : وما يسطرون ، أي : وما تولى الله لعباده من الكتابة التي فيها منافع الخلق ومصالح العباد والبلاد.
قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) [٣] قال : أي محدود مقطوع ومحسوب عليك.
قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [٤] قال : تأدبت بأدب القرآن ، فلم تتجاوز حدوده وهو قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) [النحل : ٩٠]. وقال : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران : ١٥٩] ثم قال : إن الغضب والحدة من سكون العبد إلى قوته ، فإذا خرج من سكونه إلى قوته سكن الضعف في نفسه ، فتتولد منه الرحمة واللطف ، وهو التخلق بأخلاق الرب جل جلاله. وقد أوحى الله تعالى إلى داود عليهالسلام فقال : «تخلق بأخلاقي فإني أنا الصبور» (٢) فمن أوتي الخلق الحسن فقد أوتي أعظم المقامات ، لأن ما دونه من المقامات ارتباط بالعامة ، والخلق الحسن ارتباط بالصفات والنعوت. وسئل سهل يوما عن الكرامات ، فقال : وما الكرامات ، إن الكرامات شيء ينقضي لوقته ، ولكن أكبر الكرامات أن تبدل خلقا مذموما من أخلاقك بخلق محمود.
قوله تعالى : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) [٤٤] قال : يعني كله إلي ، فإني أكفيك أمره ، ولا تشغل به قلبك.
قوله تعالى : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [٤٤] قال : سنمدهم إطراقا إليهم ، مشتغلين به عما لنا عليهم من الواجبات ، فينسون شكرنا ، فنأخذهم من حيث لا يعلمون.
قوله عزوجل : (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [٤٩] قال : يعني لو لا ما حفظ الله له ما سلف من عمله الصالح ، بما جرى به من اجتبائه في الأزل ، فاستنقذه به وتداركه. (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) [٤٩] والعراء أرض القيامة ، إذ لا زرع فيها ، ولا نبت ، ولم يكن له ذنب سوى أنه شغل قلبه بتدبير ما لم يكن تدبيره إليه ، كما فعل آدم عليهالسلام ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(١) الإتقان ٣ / ٢٤.
(٢) فيض القدير ١ / ٤٦٥ ، ٥ / ٣٦٣.