السورة التي يذكر فيها الناس
قوله تعالى : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) [٤] قيل لسهل : ما الوسوسة؟ فقال : كل شيء دون الله تعالى فهو وسوسة ، وإن القلب إذا كان مع الله تعالى فهو قائل عن الله تعالى ، وإذا كان مع غيره فهو قائل مع غيره.
ثم قال : من أراد الدنيا لم ينج من الوسوسة ، ومقام الوسوسة من العبد مقام النفس الأمارة بالسوء ، وهو ذكر الطبع ، فوسوسة العدو في الصدور ، كما قال : (يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [٥ ـ ٦] يعني في صدور الجن والإنس جميعا ، ووسوسة النفس في القلب. قال الله تعالى : (وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] وإن معرفة النفس أخفى من معرفة العدو ، ومعرفة العدو أجلى من معرفة الدنيا ، وأسر العدو معرفته ، فإذا عرفته فقد أسرته ، وإن لم تعرف أنه العدو وأسرك فإنما مثل العبد والعدو والدنيا كمثل الصياد والطير والحبوب ، فالصياد إبليس ، والطير العبد ، والحبوب الدنيا ، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع ، فإن كنت صائما فأردت أن تفطر قال لك : ما يقول الناس ، أنت قد عرفت بالصوم تركت الصيام. فإن قلت : مالي وللناس. قال لك : صدقت أفطر ، فإنهم سيضعون أمرك على الحسبة والإخلاص في فطرك ، وإن كنت عرفت بالعزلة فخرجت. قال : ما يقول الناس ، تركت العزلة. فإن قلت : مالي وللناس. قال : صدقت اخرج فإنهم سيضعون أمرك على الإخلاص والحسبة. وكذلك في كل شيء من أمرك ، يردك إلى الناس حتى كأنه ليأمرك بالتواضع للشهرة عند الناس. ولقد حكي أن رجلا من العباد كان لا يغضب ، فأتاه الشيطان وقال : إنك إن تغضب وتصبر كان أعظم لأجرك. ففطن به العابد فقال : وكيف يجيء الغضب؟ قال : آتيك بشيء فأقول : لمن هو؟ فقل : هو لي ، فأقول : بل هو لي. فأتاه بشيء وقال العابد : هو لي ، فقال الشيطان : لا بل هو لي. فقال العابد : إن كان لك فاذهب به ، ولم يغضب ، فرجع الشيطان خائبا حزينا ، أراد أن يشغل قلبه حتى يصيب منه حاجته ، فعرفه واتقى غروره.
ثم قال سهل : عليك بالإخلاص تسلم من الوسوسة ، وإياك والتدبير فإنه داء النفس ، وعليك بالاقتداء فإنه أساس العمل ، وإياك والعجب فإن أدنى باب منه لم تستتمه حتى تدخل النار ، وعليك بالقنوع والرضا ، فإن العيش فيهما ، وإياك والائتمار على غيرك ، فإنه لينسيك نفسك ، وعليك بالصمت ، فأنت تعرف الأحوال فيه ، وعليك بترك الشهوات تنقطع به عن الدنيا ، وعليك بسهر الليل تموت نفسك من ميلة طبعك وتحيي قلبك ، وإذا صليت فاجعلها