وحكي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما احتضر جاءت عائشة رضي الله عنها فتمثلت بهذا البيت : [الطويل]
لعمرك ما يغني الثّراء عن الفتى |
|
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر (١) |
فكشف عن وجهه فقال : ليس كذلك ، ولكن قولي : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) [ق : ١٩] انظروا ثوبي هذين وكفنوني فيهما ، فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت (٢).
والله سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها الإنسان
قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ) [٥] الآية. قال : الأبرار الذين تخلقوا بخلق من أخلاق العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالجنة. قيل : فما أول شيء ينبغي من الأخلاق؟ فقال : احتمال المئونة ، والرفق في كل شيء ، والحذر أن لا يميل في رفعه إلى هواه في هذه الخصال اكتساب العقل. ثم لا بد من ثلاثة أخرى فيها اكتساب المعرفة واستعمال العلم والحلم والتواضع ، ثم لا بد من ثلاثة أخرى فيها أحكام التعبد السكينة والوقار والإنصاف. وقال : من كان فيه ثلاث خصال لم يأكل التراب جسده ، كف الأذى عن الناس ، ثم احتمال أذاهم ، ثم اصطناع المعروف معهم. (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) [٧] قال : البلايا والشدائد في الآخرة عامة ، والسلامة منها خاص الخاص.
قوله تعالى : (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) [١١] قال : نضرة في الوجوه وسرورا في القلب.
قوله تعالى : (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) [١٨] وقال : حكي عن المسيب أنه قال : هي عين يمين العرش من قصب من ياقوت. قال سهل : نبه الله به عباده المؤمنين ، ثم قال : سلوا ربكم السبيل إلى هذه العين.
قوله تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) [٢١] قال سهل : نهى الله عباده عن نجاسة خمور الدنيا بما فرق بين الطاهر والطهور ، وبين خمور الجنة وخمور الدنيا نجاسة ، فإن خمور الدنيا نجسة تنجس شاربها بالآثام ، وخمور الجنة طهور تطهر شاربها من كل دنس ، وتصلحه لمجلس القدس ومشهد العز. وصلى سهل صلاة العتمة فقرأ قوله تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) [٢١] فجعل يحرك فاه كأنما يمص شيئا ، فلما فرغ من صلاته قيل له : أتشرب في الصلاة؟ فقال : والله لو لم أجد لذته عند قراءته كأني عند شربه به ما فعلت ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(١) البيت لحاتم الطائي في ديوانه ص ١٩٩.
(٢) تفسير القرطبي ١٧ / ١٢ ـ ١٣ ؛ والكامل في التاريخ ٢ / ٢٧٠.