قال : وأتاه رجل فقال له : يا أويس كيف أصبحت؟ أو قال : وكيف أمسيت؟ قال : أحمد الله على كل حال ، وما تسأل عن حال رجل إذا هو أصبح ظن أنه لا يمسي ، وإذا أمسى ظن أنه لا يصبح ، إن الموت وذكره لم يدع لمؤمن فرحا ، وإن حق الله عزوجل في مال المسلم لم يدع له في ماله فضة ولا ذهبا ، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع لمؤمن صديقا ، نأمر بالمعروف فيشتمون أعراضنا ، ويجدون على ذلك من الفاسقين أعوانا ، حتى والله لقد قذفوني بالعظائم ، وأيم الله لا أدع أن أقوم لله فيهم بحقه ، ثم أخذ الطريق (١). فهذا أويس قد بلغ هذا المقام في الصبر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها الهمزة
قوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ) [١] يعني المغتاب إذا غاب الرجل عنه اغتابه.
(لُمَزَةٍ) [١] يعني الطاعن إذا رآه طعن فيه ، نزلت في الوليد بن المغيرة.
(الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) [٢] قال : استعبد ماله لدنياه.
(يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) [٣] قال : أي أخلده لدار البقاء. وقيل : أخلده من الموت.
قوله تعالى : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) [٦] أي لا تخمد بأكل الجلد واللحم ، حتى يخلص حرها إلى القلوب. والنيران أربعة : نار الشهوة ونار الشقاوة ونار القطيعة ونار المحبة. فنار الشهوة تحرق الطاعات ، ونار الشقاوة تحرق التوحيد ، ونار القطيعة تحرق القلوب ، ونار المحبة تحرق النيران كلها.
ولقد حكي أن علي بن الحسين (٢) رضي الله عنه دخل مغارة مع أصحاب له ، فرأى امرأة في المغارة وحدها ، فقال لها : من أنت؟ قالت : أمة من إماء الله ، إليك عني لا يذهب الحب. فقال لها علي رضي الله عنه : وما الحب؟ قالت : أخفى من أن يرى ، وأبين من أن يخفى ، كمونه في الحشاء ككمون النار في الحجر ، إن قدحته أورى وإن تركته توارى (٣) ، ثم أنشأت تقول : [من البسيط]
إنّ المحبين في شغل لسيّدهم |
|
كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا |
__________________
(١) كتاب الزهد الكبير ٢ / ٢١٩ ؛ وصفوة الصفوة ٣ / ٥٣ ؛ وسير أعلام النبلاء ٤ / ٣٠ ، ٣٣.
(٢) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي (٣٨ ـ ٩٤ ه) : يلقب بزين العابدين. أحد من كان يضرب بهم المثل في الحلم والورع. كان يقوت مائة بيت سرا. (الأعلام ٤ / ٢٧٧).
(٣) ذم الهوى ص ٣٤٦ ؛ وربيع الأبرار ٤ / ٢٣ ؛ وتزيين الأسواق ص ٣٠ ؛ ومصارع العشاق ١ / ١٧٥ ، ٢ / ٢١٧ ؛ والظرف والظرفاء ص ١٥٩.