وحكى أبو عمرو بن العلاء فقال : «هربنا من الحجاج (١) فدخلنا البادية فأقمنا بها دهرا نتردد من حي إلى حي ، فبينا أنا خارج في بعض الأحياء ذات غداة متوزع الخاطر مبهم القلب ضيق الصدر ، إذ سمعت شيخا من الأعراب مجتازا يقول (٢) : [من الخفيف]
صبّر النّفس ينجلي كلّ همّ |
|
إنّ في الصبر حيلة المحتال |
ربّما تكره النفوس من الشيء |
|
له فرجة كحلّ العقال |
فلم يستتم الشيخ إنشاد البيتين حتى رأيت فارسا من بعيد ينادي : قد مات الحجاج. قال : فسألت الشيخ عن الفرجة ، فقال : الفرجة بضم الفاء : في الحائط والعود ونحوهما ، والفرجة بفتح الفاء : في الأمر من الشدة والنوائب. قال أبو عمرو : فلم أدر بأيهما كنت أشد سرورا ، بموت الحجاج أم بهذه الفائدة (٣).
والله سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها التين
قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [٤] قال : أي في أحسن قامة وأحسن صورة.
(ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) [٥] يعني نقلناه من حال إلى حال حتى أدركه الهرم.
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [٦] في شبابهم ، فإنهم إذا ضعفوا وشاخوا أمرنا الملائكة تكتب لهم الأعمال التي كانت تكتب لهم حال شبابهم.
(فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [٦] أي لا ينقطع عنهم أجور أعمالهم وإن ضعفوا عنها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(١) الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي (٤٠ ـ ٩٥ ه) : قائد ، داهية ، خطيب. ثبتت له إمارة العراق عشرين سنة. (الأعلام ٢ / ١٦٨).
(٢) البيتان لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ١١١ ـ ١١٢ ؛ ولأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص ٤٤٤ ؛ وله أو لحنيف بن عمير أو لنهار ابن أخت مسيلمة الكذاب في شرح شواهد المغني ٢ / ٧٠٧.
(٣) شرح شواهد المغني ٢ / ٧٠٧ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٥٤٤.