الظاهر والباطن ، وصدقهم فيه بنور بصيرة اليقين ، وهو سكون القلب إلى الله تعالى في كل حال وعلى كل حال ، فليس لهؤلاء همة في الألحان ولا في التطريب بطيبة الصوت تكلفا ، إنما همهم التفهّم وطلب المزيد من الله تعالى فهما لأمره ونهيه. والمراد من أحكام فرضه وسنة نبيه صلىاللهعليهوسلم ، فهم بعلمه عاملون ، وبالله مستعينون ، وعلى آدابه صابرون كما أمرهم بقوله : (اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا) [الأعراف : ١٢٨] أي استعينوا بالله على أمر الله بالسنة فرضا ، أي سنة الله ، واصبروا على آدابه باطنا وظاهرا ، كي يكسبكم فهما وفطنة. والمراد منه تفضلا لا يبالون بطيب حنجرة الأصوات ، فهم الذين أعطاهم الله تعالى فهم القرآن ، هم خاصة الله وأولياؤه ، لا هم للدنيا ، ولا الدنيا منهم في شيء ، ولا فيما في الجنة رغبوا ، أخذ منهم الدنيا فلم يبالوا ، وهبها لهم فردوها كما ردها نبيهم صلىاللهعليهوسلم لمّا عرضت عليه ، طرحوا أنفسهم بين يديه رضى وسكونا إليه وقالوا : لا بد لنا منك أنت أنت ، لا نريد سواك ، فهم المتفردون بالله كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «سيروا ، سبق المفردون إلى رحمة الله ، قالوا : ومن المفردون يا رسول الله؟ قال : الذين اهتروا بالذكر لله تعالى ، يأتون يوم القيامة خفافا قد حط الذكر عنهم أثقالهم» (١). قال سهل : هم المشايخ المهترون (٢) في الذكر بالذكر لله تعالى ، مجالسون كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : يقول الله تعالى : «أنا جليس من ذكرني حيثما التمسني عبدي وجدني» (٣) ، وقال تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥].
باب صفات طلاب فهم القرآن
قال الله عزوجل : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [الشعراء : ١٩٢ ـ ١٩٤] قال سهل : فعلى مقدار النور الذي قسمه الله تعالى له يجد هداية قلبه وبصيرته ، فظهر على صفاته أنوار نوره ، قال الله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور : ٤٠] فالقرآن حبل الله بين الله وبين عباده ، من تمسك به نجا ، لأن الله تعالى جعل القرآن نورا وقال : (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) [الشورى : ٥٢] ومعنى جعلنا : بيّنّا ما فيه من محكم ومتشابه ، وحلال وحرام ، وأمر ونهي ، كما قال الله عزوجل :
__________________
(١) نوادر الأصول ٣ / ٦٤.
(٢) جاء في المصدر السابق : (المهتر إذا نطق يشبه كلامه كلام من لم يستعمله عقله ، لأن العقل يخرج الكلام على اللسان بتدبير وتؤدة وتأن ، وهذا المهتر إنّما ينطق به ، فكأنه الماء على لسانه يجري ، حتى يشبه الهذيان في بعض أحواله ، وهو في الباطن مع الله تعالى من أصفى الناطقين وأصدقهم. والمهتر في اللغة : الشيخ الكبير الذي قد أفند عقله ...).
(٣) شعب الإيمان ١ / ٤٥١.