والسلام ، بل كان هو خلاصة رسالاتهم ومفتتح دعواتهم ، فما منهم من رسول الا كان التوحيد أول ما يدعو إليه قومه ، كما دل على ذلك القرآن الكريم ، قال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل : ٣٦] وقال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء : ٢٥].
بل هذا التوحيد هو الذي خلق الله الخلق لأجله وشرع الجهاد لاقامته وجعل الثواب في الدنيا والآخرة لمن قام به وحققه ، وجعل العقاب على من كفر به وتركه ، وجعله الفيصل بين أهل السعادة القائمين به وأهل الشقاوة التاركين له.
وقد فسر المؤلف هذا التوحيد بأن لا يجعل العبد لغير الله شركة مع الله في شيء من عبادته ، بل يصرف عبادته كلها لله ، سواء كانت عبادة بالقلب ، كالحب والذل والخوف والرجاء والتعظيم والانابة ، أو كانت عبادة باللسان ، كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والتمجيد وكل أنواع الثناء التي لا تنبغي الا لله.
وكذلك السؤال والدعاء والاستعاذة والاستغاثة والحلف والتسمية وغير ذلك أو كانت عبادة بالأبدان ، كالصلاة والصيام والحج والجهاد ، أو عبادة بالمال كالصدقات والنذور والذبائح والحبوس وجميع أبواب البر التي تنفق فيها الأموال. وان لا يعبد الله الا بما شرعه هو على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم ، فلا يزيد عليه شيئا ولا ينقص منه شيئا ، ولا يغير فيه ولا يبدل ، فان كل ذلك بدعة ضلالة لا يقبلها الله عزوجل ، بل يردها على صاحبها ويمقته عليها. قالصلىاللهعليهوسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» أي مردود على صاحبه لا ثواب له عليه ، لأنه عبادة بالهوى وتشريع ما لم يأذن به الله ، وانما يعبد الله بما شرع لا بالأهواء والبدع.
فاذا عرف العبد ذلك معرفة حقة أفرد الله بالعبادة كلها ، الظاهرة منها والباطنة فيقوم بشرائع الاسلام الظاهرة ، كالصلاة والزكاة والصوم والحج