الاخلاص والصدق والمتابعة للسنة ، شرع في بيان ما ينافيه من الشرك ، فقسمه الى ظاهر جلى ، وهو ما يسمى بالشرك الأكبر ، وهذا النوع لا يغفره الله عزوجل ، كما أخبر بذلك في قوله في موضعين من سورة النساء (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ١١٦].
وقد فسر المؤلف هذا الشرك بأنه اتخاذ ند للرحمن من أي شيء كان من خلقه بأن يجعله مساويا لله في ما يستحقه ، ولا ينبغي الاله من أنواع العبادة والتعظيم فيدعوه كما يدعو الله عزوجل ، سواء كان دعاء عبادة أو دعاء مسألة ، أو يرجوه كما يرجو الله ، بأن يتوقع عنده من النفع والخير ما لا يملكه الا الله ، أو يخافه كذلك كما يخاف الله ، بأن يعتقد أنه يملك من أنواع العذاب والبطش ما لا يملكه الا الله أو يحبه كما يحب الله عزوجل.
فهذه هي الندية التي كان يؤمن بها العرب وسموا بسببها مشركين ، وهي التي أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقتالهم عليها ، لأنها منافية لكلمة التوحيد (لا إله الا الله).
وأما ندية الخلق والرزق والتدبير والملك وغير ذلك من شئون الربوبية ، فإنهم لم يساووا آلهتهم بالله في شيء منها ، بل ولا جعلوا لهم شركة مع الله فيها ، كما قال تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ، أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ، فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) [يونس : ٣١] وكقوله : (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) [المؤمنون : ٨٤ ، ٨٩].
فالقوم لم ينددوا في هذه الناحية ، وانما كانت نديتهم أنهم ساووا آلهتهم بالله في الحب والتعظيم وفي الايمان بإلهيتهم واستحقاقهم للعبادة مع الله ، فكان هو مناط شركهم. قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ