وهذه عانس طال على تعنيسها الأمد ، فجاءت للشيخ مفرج الكروب وحلال العقد. وكم وكم مما لا أستطيع حصره ومما يذيب القلوب أسى وحسرة على ما أصاب الإسلام ممن يدعي محبته ونصره ، وهو لم يترك له منجنيقا إلا كسره ، فلا حول ولا قوة إلا بالله إليه المشتكى وهو المستعان وبه المستغاث وعليه التكلان.
فهؤلاء القبوريون قد جعلوا أصحاب هذه الأضرحة شركاء لله يوالونهم ويتقربون إليهم بأنواع القرابين من الذبائح والنذور ويسوونهم بالله عزوجل في المحبة بل هم لهم أشد حبا ، وبهم أكثر تعلقا ، كما تدل على ذلك أحوالهم وتنبئ عنه فعالهم ، فإن أحدهم لا يغار ولا يغضب إذا انتهكت حرمات الله وعمل بمعصيته في السر والعلانية ، ولكنه إذا سمع من أحد الموحدين أنه يتعرض لوثنه الذي يدعوه ويعكف عليه ، وأنه يصفه بما هو فيه من عجز ونقص حتى ولو كان هذا الوصف مأخوذا من القرآن ، استشاط لذلك غضبا وأخذته حمية الجاهلية وهبّ للانتقام والأخذ بالثأر ، ولم يرع في هذا الموحد إلا ولا ذمة بل ولا حسن جوار ، فلا تسل عما يناله من هذا المجرم الأثيم من أنواع الأذى ، والكيد والعدوان اللئيم حيث تنهال عليه الأيدي باللكز والضرب ، وتنثال عليه الألسنة بالشتم والسب ولا سيما إذا كان هذا المجرم من أصحاب النفوذ والسلطان ، فإنه يمعن في التنكيل ويسرف في العدوان ويلقى بذلك الموحد في غيابات السجون.
وبعد فما أشبه الليلة بالبارحة ، فإن ما يحدثنا عنه هذه الإمام الجليل مما كان يقع به وبأمثاله من العذاب والتنكيل حين يقومون بالدعوة لتجريد التوحيد وإخلاص العبادة للملك الجليل لا يزال يقع مثله وأشد منه بالدعاة إلى الحق في هذا الزمان ولكن لا نقول إلا كما قال القرآن : (أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) [الذاريات : ٥٣]. فنسأل الله النجاة من كيد اللئام وفتنة الطغام.
* * *
والله لو عطلت كل صفاته |
|
ما قابلوك ببعض ذا العدوان |